منظمة التحرير الفلسطينية 1965 - 1971
Map Details
مع حلول أوائل الستينيات، كان جيل فلسطيني جديد قد نشأ، يملؤه الغضب من المظالم التي فرضت عليه والأسى من إخفاقات الدول العربية التي توزع عليها هذا الجيل. وقد حال عجز الحكومات العربية من مجابهة إسرائيل وخوفاً من الثورة المحلية لعدم دعمها الحركات السياسية الفلسطينية التي شكلتها كحركة فتح على سبيل المثال. قامت الجامعة العربية في عام 1964 بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة أحمد الشقيري، لتحقيق هدف يتمثل في "تنظيم الشعب الفلسطيني وتعبئته للقيام بواجبه بتحرير وطنه". لكن "المنظمة" بقيت إلى حين تابعة لقادة الدول العربية.
في أواخر عام 1964، بادرت حركة فتح التي تزعمها ياسر عرفات في القيام بأول هجوم مسلح على إسرائيل. وفي السنة التي تلتها، نفّذت حركة فتح 39 عملية عسكرية وشرعت في تجنيد متطوعين من مخيمات اللاجئين. بعد حرب 1967 وهزيمة الجيوش العربية، رأى الكثيرون في الجهود الفلسطينية المستمرة الدلالة الوحيدة على المقاومة العربية، وانضم الكثير من المتطوعين إلى المقاومة وتشكلت مجموعات مقاومة عديدة أخرى. لكن، وبعد قيام إسرائيل بتدمير قواعد وشبكات المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الحرب، أصبحت الأردن القاعدة الرئيسية لقوات المقاومة، التي تمتعت بدرجة من الاستقلالية الذاتية خاصة في عدد من القرى الحدودية.
في أوائل عام 1968، أدى حوالي 78 هجوم عسكري شنته قوات المقاومة الفلسطينية على إسرائيل عبر نهر الأردن إلى جنوح إسرائيل نحو تنفيذ انتقام شامل بتاريخ 21 آذار من نفس العام ، حيث شارك حوالي 15.000 جندي إسرائيلي في هجوم على بلدة الكرامة. ومع توقعه حدوث مثل ذلك الاعتداء، أصدر ياسر عرفات أوامر لمقاتلي فتح البالغ عددهم 250 بالمقاومة جنباً إلى جنب مع 80 من عناصر أو من مجموعات المقاومة الأخرى وقوات من الجيش الأردني. سقط 116 مقاتلاً من مجموعات المقاومة الفلسطينية و 61 من قوات الجيش الأردني؛ ولقيت القوات الإسرائيلية المدججة مقاومة حقيقية، حيث سقط 28 جندي إسرائيلي في المعركة، وجعلت معركة الكرامة من المقاومة الفلسطينية أسطورة. خلال 48 ساعة من المعركة، انضم 5.000 متطوع إلى حركة فتح. كما انضمت أعداد أخرى إلى حركات المقاومة الأخرى، بينما حقق ياسر عرفات شعبية كبيرة، حيث صعد من خلال موجة الترحيب الشعبي لمكانة القائد وانتزع من خلالها السيطرة على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل عام 1969. وأصبح ينظر إلى ياسر عرفات في أواخر تلك السنة ليس باعتباره قائداً للمقاومة وحسب، وإنما للشعب الفلسطيني في الكثير من الحالات.
مع حلول عام 1970، كانت قوات منظمة التحرير الفلسطينية تدير مؤسسات وأجهزة خاصة من شرطة، ومحاكم، واتحادات نقابية، ووسائل إعلام، وقوات مسلحة في مختلف مخيمات اللاجئين في الأردن وخارجها. (كمنظمة أم) تراوحت فلسفتها من ماركسية ثورية إلى قومية انفصالية، أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية دفعة واحدة ذات قاعدة عريضة ومشاكسة. وبينما كانت تكتيكات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد نقلت الكفاح المسلح بقوة إلى الحلبة الدولية مع حلول عام 1969، كانت بعض التنظيمات في نفس السنة تجري مباحثات سرية مع إسرائيل في باريس. من ناحية أخرى، شكل وجود قوات فلسطينية مسلحة ومستقلة ذاتياً وجامحة في معظم الأحيان، تحدياً جدياً للحكومة والدولة الأردنية . ففي أيلول 1970، قامت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين باختطاف ثلاثة طائرات وحطت بها في مطار عمان، ومن ثم قامت بإطلاق سراح الركاب وبتفجيرها بعد أن طرحت قضيتها أمام وسائل الإعلام العالمية. ولشعوره بتهديد استقرار المملكة، قام الملك حسين في نهاية المطاف بفرض سلطه الدولة الأردنية على الفصائل الفلسطينية المسلحة.
في اليوم التالي، 16 أيلول من نفس العام، بدأ الجيش الأردني بعد إعلان الأحكام العرفية بإطلاق المدفعية ضد مواقع منظمة التحرير والمخيمات الفلسطينية. وقد استمرت الحرب الأهلية، التي عرفت باسم "أيلول الأسود" حتى 27 أيلول، مخلفةً أكثر من 3.000 قتيلاً ودماراً كبيراً في العديد من المخيمات والمدن، بما فيها عمان. أثار التدخل العسكري السوري الداعم لمنظمة التحرير الفلسطينية اهتمامات إقليمية ودولية (خاصة قطبي الحرب الباردة)، وانتهى الأمر بتدخل الرئيس عبد الناصر للتوسط ودعوة كل من الملك حسين وياسر عرفات للقاهرة والتوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار. وقد جعلت حرب عام 1970 وجود منظمة التحرير الفلسطينية مقتصراً على استحكاماتها في منطقتي "عجلون وجرش"، إلى أن تم إخراجها في تموز 1971، وتمخض عنها مقتل 3.000 فلسطيني آخر.
غادر ياسر عرفات مع رجال المقاومة إلى لبنان، حيث شكلت فيها منظمة التحرير الفلسطينية مركزاً لقيادتها التالية. انتهى "شهر العسل" في الأردن، وبدا أن لبنان ستصبح المسرح التالي للأحداث، حيث صعدت إسرائيل من وتيرة جهودها للقضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية التي أثبتت قدرتها وعرضت أيضاً إمكانياتها لتقسيم العالم العربي بنفس القدر الذي يمكنها فيه توحيده.