مقترح شارون، ربيع 2001
Map Details
أوضح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك، أن خليفتيهما في الحكم، جورج بوش وأرئيل شارون في حل وغير ملزمين من أية مواقف تفاوضية سابقة. وأن حكومة "الوحدة الوطنية" الجديدة في إسرائيل غير ملزمة بالانطلاق من محادثات الوضع الدائم التي سبقت الانتخابات. وبصفته مستوطن متشدد ومهندس أساسي لمعظم برامج الاستيطان الإسرائيلية، رفض شارون الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال حملته الانتخابية ورد على صيغة الأرض مقابل السلام بحرب مميزة. وفيما يتعلق بأي إخلاء نهائي للمستوطنات، كان موقف أرئيل شارون صريح: "طالما لا يوجد سلام فنحن هناك. وإذا حدث في المستقبل، بعون الله، أن تحقق السلام، فلن يكون هناك ثمة سبب يحول بيننا وبين أن نكون هناك".
كان الإذعان الفلسطيني لسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي الإسرائيلية، الشرط الأساسي في حينه للسلام الذي يريده شارون. كما أن المفارقة بين تحقيق السلام الحقيقي ومواصلة الاستيطان استمرت كنهج متبع لدى رئيس الوزراء الجديد، الذي عبر عن رأيه سابقاً بقوله، "لو لم تكن مستوطنات يهودية اليوم في هضبة الجولان ويهودا والسامره [الضفة الغربية]، لكانت إسرائيل قد انسحبت منذ فترة طويلة إلى ما وراء الخط الأخضر. وإذا كان هنالك من سبب قد حال دون التوصل إلى اتفاق، وعقَد ... المفاوضات، فإنه ]الجملة السابقة كما وردت في المصدر[ فقط المستوطنات اليهودية".
بحلول شهر أيار 2001، كان أكثر من 500 فلسطيني قد قتل منذ اندلاع الانتفاضة (أيلول 2000) فيما جرح ما يزيد على 14.000 فلسطيني، بينما بلغ إجمالي الخسائر الإسرائيلية 82 قتيل، 18 منهم مدنيين داخل إسرائيل. في ذلك الشهر صدر تقرير (لجنة ميتشيل) التي تترأسها الولايات المتحدة (تشكلت في شهر تشرين الأول 2000 لتحري أسباب العنف)، ودعا التقرير إلى "تجميد كامل للنشاط الاستيطاني، بما في ذلك "النمو الطبيعي"، وإلى "رفع الإغلاق" و "ضمان امتناع قوات الأمن والمستوطنين عن تدمير المنازل والطرق، واقتلاع الأشجار والممتلكات الزراعية". وطلب التقرير من الفلسطينيين إجراءات منسقة "لاعتقال وحبس الإرهابيين"، وحث كلا الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة.
وصف شارون الدعوة إلى تجميد الاستيطان بأنها "الجنون بعينه"، وطلب من الفلسطينيين فترة شهرين من "الهدوء التام" قبل النظر في أية "تنازلات". بالمقابل، قبلت السلطة الفلسطينية توصيات (لجنة ميتشيل) "رزمة واحدة" وطالبت عبثاً من الولايات المتحدة الإشراف على تنفيذها بالكامل. في الوقت ذاته، ومع تصاعد الصراع يومياً وتحوله إلى مجموعة من عمليات إعادة التوغل في مناطق السلطة الفلسطينية، لخص شارون "التنازلات" التي تدور في ذهنه، ومع رفض أي عودة إلى الالتزامات القائمة أو محادثات الوضع الدائم، فقد عرض فقط "اتفاق على إنهاء حالة الحرب، لفترة مطولة وغير محدودة، ضمن اتفاق لا يشمل أي جدول زمني، بل جدول من التوقعات". سوف يمنح العرض المقترح من قبله "الفلسطينيين الحد الأدنى المطلوب"، من خلال تحويل حتى 2% من المنطقة ج، وخلق ممرات ربط صغيرة بين بعض جيوب المنطقة أ و ب الموجودة. وبشكل كلي، سوف تمنح هذه الخطة السلطة الفلسطينية بعض الشكل غير المحدد من السيطرة على 43% من الضفة الغربية وتبقي الوضع على حاله في قطاع غزة. وفي المنطقة المتبقية والتي تبلغ مساحتها 57% من الضفة الغربية، سوف يكون للمستوطنات الإسرائيلية دور "حماية مهد مولد الشعب اليهودي وتوفر كذلك العمق الاستراتيجي" .
إنه لمن المشكوك فيه ما إذا كانت خطة الـ 43% التي عرضها شارون أكثر من رشوة لأولئك الذين وجدوا، على المستوى الدولي والمحلي، أنه من السهل عليهم دعم السياسات العسكرية لحكومته عندما تكون مقرونة "برؤيا" معلنة طويلة الأمد. ولم تكن تراود رئيس الوزراء نفسه أية أوهام حول إمكانية إنهاء الانتفاضة من خلال تشريع مصادرة الأراضي والاستيطان على حساب الدولة الفلسطينية، في الوقت الذي تم فيه توجيه الانتفاضة منذ البداية تماماً ضد هذه السمات المتأصلة في السياسة الإسرائيلية. وبعد انقضاء شهر على اندلاع الانتفاضة أوضح أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، مروان البرغوثي: "أننا التزمنا الهدوء سبعة سنوات من أجل إعطاء فرصة للمفاوضات ... لكن الإسرائيليين استخدموا تلك الفترة من أجل... مواصلة فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض: مستوطنات جديدة، ومصادرة الممتلكات والأراضي... لماذا ينبغي العودة إلى الهدوء الآن؟ لكي يستأنفوا نفس السياسة؟"
مع "تنازلاتها" المشروطة جداً وغير المقبولة علناً، واصلت إسرائيل تصعيد عدوانها العسكري ضد مناطق السلطة الفلسطينية والمراكز السكانية الفلسطينية. وبحلول شهر تشرين الأول، بعد مرور عام واحد على اندلاع الانتفاضة، كان قد قتل 700 فلسطيني (145 منهم أطفال)، ودمر 384 منزل، وتم قلع حوالي 400.000 شجرة، فيما تم تأسيس 25 "بؤرة" استيطانية جديدة. ومع تلاشي كل أمل بالعودة إلى محادثات السلام، أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عن الرؤيا البديلة للحكومة "يجب أن نحاربهم عسكرياً واقتصادياً، وأن نستهدف مكانة وسلطة واستقرار السلطة الفلسطينية إلى أن تنهار".