كامب ديفيد، تموز 2000
Map Details
تأخرت مفاوضات الوضع الدائم الفعلية حتى مطلع عام 2000، حيث تلا محادثات شهر أيار التي جرت في إيلات اجتماعات عقدت في ستوكهولم، ومن ثم في شهر حزيران، تم عقد محادثات على مستوى رفيع في واشنطن. وهكذا، بعد سبع سنوات من إعادة التفاوض على عمليات نقل الصلاحيات الإدارية والثانوية للأراضي، حصل توجه سياسي نحو إنجاز صفقة نهائية – الآن مستحقة بحلول 13 أيلول 2000. وأخيراً وصلت هذه المفاوضات إلى القضايا الجوهرية: اللاجئين، والقدس، والمستوطنات، والمياه والحدود.
وبدلاً من تنفيذ عملية إعادة الانتشار الثالثة المستحقة في أوسلو 2، اختار أيهود باراك أن يثبت وجوده السياسي المتأرجح بعرض اتفاق نهائي على الجمهور الإسرائيلي قبل أن يتخلى عنه ائتلافه في الكنيست. وبدأت أغلبيته البالغة 73 مقعد (من 120 مقعد) في الكنيست بالتآكل في شهر أيلول 1999؛ وبحلول شهر تموز 2000، كان يترأس أقلية منقسمة في الكنيست، تواجه اقتراحات حجب الثقة. بناءاً عليه، فإن احتمال تأمين الأغلبية الضرورية في الكنيست للمصادقة على أي صفقة نهائية يتم التفاوض عليها مع السلطة الفلسطينية كان ضئيلاً، إذا أثارت المعارضة الجماهيرية الإسرائيلية الواسعة لسياساته شكوك خطيرة حول مصداقيته ومواقفه التفاوضية. بنفس الوقت، ضغط الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الطامح في تتويج فترة حكمه البالغة ثمان سنوات (المنتهية في كانون أول 2001) بمعاهدة سلام في الشرق الأوسط على السلطة الفلسطينية للتخلي عن إصرارها على إعادة الانتشار المتأخرة وانضمت إلى باراك في سباقه بعكس عقارب الساعة السياسة. ولكونها ميالة إلى تحقيق اختراق فوري، نأت الإدارة الأمريكية بنفسها عن المطالب الفلسطينية الداعية إلى تحقيق تقدم في المحادثات الأولية قبل أن يتم عقد أي قمة "ناجحة أو فاشلة".
عند الدعوة إلى عقد مؤتمر كامب ديفيد في 11 تموز 2000، وعد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون السلطة الفلسطينية المترددة بأنه "لن يتم تحميلها المسئولية" إذا ما فشلت المفاوضات. وقبل يوم من انعقاد المؤتمر، خسر أيهود باراك في اقتراح لحجب الثقة في الكنيست، وبذلك وصل إلى كامب ديفيد وهو يعلم بأنه سيواجه انتخابات قادمة، وسوف يخسرها بالتأكيد إن لم يحقق مكاسب شعبية على طاولة المفاوضات. استمرت القمة أربعة عشرة يوماً وانتهت دون التوصل إلى أي اتفاق. وخلال هذه المدة، لم يجتمع باراك بعرفات على انفراد سوى مرة واحدة فقط.
كان للأمل الذي يحدوا الفلسطينيين بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في النهاية، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين، حسبما هو وارد في مؤتمر مدريد للسلام وفي إعلان المبادئ، بالغ الأثر في تخفيف معاناتهم خلال المرحلة الانتقالية، لكن في كامب ديفيد، أكدت إسرائيل أخيراً على عدم استعدادها التقيد بهذه المبادئ، أو حتى بحثها. ورشح في الحال أن "العرض الإسرائيلي الأفضل" هو مجرد خطة ضم أخرى تستند إلى تشريع سيادتها الدائمة على 10-13.5% من الضفة الغربية، والاحتفاظ بوجودها الاستيطاني والأمني في نسبة 8.5-12% إضافية لفترة انتقالية غير محددة. وسوف يجري تقسيم المنطقة المتبقية إلى ثلاث كانتونات على الأقل، هذا بالإضافة إلى وجود الكتل الاستيطانية، والطرق الالتفافية والمناطق الفلسطينية المضمومة التي تشكل عائق بين منطقة نابلس – جنين ورام الله، وترك الخليل وبيت لحم خارج القدس الموسعة الخاضعة للسيادة الإسرائيلية . وسوف يتم الاحتفاظ بكامل غور الأردن لفترة "انتقالية" غير محددة إلى جانب شريط يوصل مستوطنات الخليل ويقسم كانتون الخليل إلى شطرين من الجنوب. وفي المحصلة، سوف يبقى جميع المستوطنين وسوف يتم تخصيص مناطق لتوسيع المستوطنات.
رفضت إسرائيل تحمل أي مسئولية تجاه مشكلة اللاجئين، حيث اقترحت تأسيس صندوق دولي لتعويضهم بالتساوي مع المهاجرين اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل في نفس الفترة (وبذلك تجسد خرافة "التبادل السكاني"). ومن خلال ضم الكتل الاستيطانية، عمدت إسرائيل إلى تشريع سيطرتها على موارد المياه الرئيسية في الضفة الغربية؛ كما سيبقى المجال الجوي بقبضة إسرائيل، وستكون الدولة الفلسطينية المجزئة منزوعة السلاح تماماً وسوف تحتفظ إسرائيل بسيطرة كاملة على جميع الحدود. أما بالنسبة للقدس، فقد ترك "عرض" باراك الفلسطينيين مع مجموعة من الجيوب السيادية في الأحياء الخارجية وسط "القدس الكبرى" الإسرائيلية الموسعة جداً، في حين ستبقى البلدة القديمة، بما فيها من أماكن دينية، تحت السيادة الإسرائيلية بينما منح الفلسطينيين "ممر آمن محلي" إلى الحرم القدسي الشريف.
خلاصة القول، بعد تسع سنوات من مؤتمر مدريد وولادة صيغة "الأرض مقابل السلام"، ردت إسرائيل على القضايا الجوهرية المؤجلة وبشكل مطلق، "لا" للاجئين، و "لا" للقدس، و "لا" للعودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967، و "لا" لإزالة المستوطنات غير القانونية؛ و "لا" لحق الفلسطينيين في الموارد الطبيعية. لقد تم طرح هذا العرض، الذي لم يكن مقبولاً بشكل واضح على ما هو عليه، كعرض أقصى "إما أن يقبل الآن أو لن يعرض بتاتاً" من جانب رئيس وزراء إسرائيلي يفتقر إلى المصداقية المحلية وأخل فعلياً بالتزاماته في شرم الشيخ. وبالنسبة لعرفات فقد شكل العرض "أقل من مناطق عزل عنصري "بنتوستان"، لكن السلطة الفلسطينية طلبت من الرئيس بيل كلينتون أن يحافظ على وعده "بعدم تحميلها المسئولية" وإقناع أيهود باراك باعتبار أفكار كامب ديفيد قبل كل شيء "اختراق للمحظورات" في مسيرة متواصلة.٩ لكن لم يكن أي من كلينتون أو براك ليربح من الصفقات غير الحاسمة، ومع انتهاء المباحثات، وفي 25 تموز، أعلن باراك عن أن مواقف كامب ديفيد "لاغية وباطلة"، ونزولاً عند طلب براك، لم يكتف الرئيس بيل كلينتون باتهام عرفات علناً على الفشل، بل أطل على التلفزيون الإسرائيلي وأثنى على "رؤية وشجاعة" باراك. "وعلى ضوء ما حدث"، وعد الرئيس كلينتون بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
شعر الفلسطينيون بإحباط شديد من الأساليب الأمريكية – الإسرائيلية، وارتاحوا لصمود قيادتهم تحت وطأة الضغط بعد أن خضعت مراراً وتكراراً في الماضي. وتم استقبال الرئيس ياسر عرفات عند عودته إلى أرض الوطن استقبال الأبطال، فيما أعلن ايهود براك عن "تعليق" مسيرة السلام"