البلدات العربية والمستوطنات اليهودية في فلسطين، 1881 - 1914
Map Details
خلال الفترة الممتدة من عام 1882 إلى عام 1914، بلغ متوسط عدد اليهود الذين دخلوا إلى فلسطين حوالي 2,000 إلى 3,000 يهودي سنويا، وهو أعلى تدفق لليهود إلى المنطقة منذ أكثر من 400 سنة. ورغم أن العديد منهم غادر البلاد، خاصةً في الجزء الأول من تلك الحقبة، إلا أن الغالبية العظمى بقوا هناك، وارتفع مجموع السكان اليهود في فلسطين مع نهاية الفترة إلى قرابة 60,000 – 63,000 يهودي. وقد شهدت الفترة قيد البحث الموجتين الأولى والثانية من الهجرة اليهودية (عليوت)، اللتين تزامنتا مع بدايات الاستعمار والسيطرة الصهيونية على الأرض في فلسطين.
وفي أوائل الثمانينيات من االقرن التاسع عشر، كانت الحركات المؤيدة للصهيونية في روسيا تروج بحماس لفكرة الاستعمار الصهيوني في فلسطين. ولم تكن هذه الحركات مدفوعة بفكر ومعتقدات دينية وإنما بمٌثٌل الإصلاح العلماني المتجذر في تيارات الاشتراكية الشعبية في أوروبا. وقد تكللت جهودهم، التي تزامنت مع تزايد أعداد اليهود الذين يشعرون بقمع القيصر، بالهجرة الأولى التي حدثت خلال الفترة 1882 – 1903، والتي شهدت وصول ما لا يقل عن 25,000 يهودي إلى فلسطين. وعلى الرغم من أن مؤرخي الصهيونية اللاحقين يدعون بغير ذلك، إلا أن غالبية أولئك المهاجرين كانت تفتقر إلى أية مبادئ قومية، وإنما فرت هرباً من التمييز المتزايد في وطنها. ولم يشارك سوى 5% من الذين وصلوا خلال تلك الفترة في تشكيل المستعمرات الصهيونية الأولى، التي تمثلت باوكرتها في ريشون ليتسيون (الأولى صوب صهيون)، التي تأسست في عام 1882 على أراض تعود إلى قرويين عرب من منطقة عيون قارة.
سرعان من لفتت المشاريع الاستعمارية العقيمة غير الشعبية للصهيونيين الأوائل انتباه الثري الفرنسي اليهودي، البارون أدموند دي روتشيلد، الذي استثمر أمولاً طائلة في المستعمرات الجديدة، وأشرف على توفير خبراء في التنمية الزراعية والتدريب، وأخيراً قام بدعم كامل البرنامج تقريباً. وفي عام 1900، وعقب بروز المنظمة الصهيونية العالمية، قام روتشيلد بتحويل ملكية مزارعه إلى الوكالة الاستعمارية اليهودية، التي استمر بتمويلها بسخاء. وحتى ذلك الوقت، بلغ عدد المستعمرات الصهيونية العاملة في فلسطين 22 مستعمرة.
شهدت الفترة 1905 – 1914 الهجرة اليهودية الثانية. لكن هذه المرة، وبعد مرور حوالي عشر سنوات على انطلاق البرنامج الصهيوني وبعد أن أضفي طابع رسمي على مطالب الصهيونية بتملك أراض في فلسطين والسيطرة عليها ديموغرافيا، أصبح التركيز على الاستعمار أكثر جلاءً: "من المهم في المقام الأول أن تكون جميع أو غالبية أراضي إسرائيل ملكاً للشعب اليهودي "
شكلت الموجة الثانية من المهاجرين القيادة السياسية للتجمع اليهودي الجديد، حيث شكلت أو كيبوتس (مزرعة جماعية) وقامت بتسييس علاقاتها مع اليهود المقيمين من قبل والفلسطينيين العرب. ومع حلول عام 1914، كان ما لا يقل عن 11,000 يهودي يعملون في 47 مزرعة وتعاونية ريفية تحت إشراف ودعم منظمة الصهيونية العاملية، أو مئيديها أو الهيئات المنبثقة عنها.
كانت السيطرة الصهيوينة على الأراضي خلال تلك الفترة تحدث على حساب الفلاحين الفلسطينيين، الذين وجدوا أنفسهم، كمزارعين مأجورين أو مزارعين مستأجرين وفقاً للنظام العثماني، مجردين من مصادر عيشهم وغالباً مضطرين إلى العمل بأجر في الزراعة أو في أعمال لم يكونوا على معرفة بها وبأجور متدنية. لقد تم تجاوز القوانين العثمانية التي تحد من بيع الأراضي من خلال الرشوة أو الوسطاء، حيث أنفق الممولون اليهود والوكالة الاستعمارية اليهودية أموالاً طائلة على هذه الأمور. وباع شاغلوا الأرض من الفلسطينيين أقل من 10% من الأراضي التي امتلكها الصهاينة في هذه الفترة المبكرة، بينما شكلت مبيعات الوجهاء العثمانيين الذين يقيمون خارج الأمبرطورية غالبية المقتنيات الصهيونية من الأراضي.
في الشهور الست الأولى من عام 1914، وصلت الهجرة الصهيونية إلى ذروتها مع وصول أكثر من 6,000 يهودي إلى فلسطين. وخلال نفس الفترة تقريباً، حدثت هجرة يهودية أخرى من أوروبا المتدهورة اقتصادياً والمتفجرة سياسياً بلغت حوالي 2.5 مليون يهودي، توجهت غالبيتهم العظمى إلى الولايات المتحدة. وقد أكدت هذه الأرقام على ضعف الدعم الشعبي اليهودي للبرنامج الصهيوني. ومع ذلك، إلا أن المحاولات الصهيونية الأولى نجحت في زعزعة التوازن الديموغرافي، والاقتصادي، والسياسي في فلسطين، وأخذت حوادث العنف والتوتر في البروز بشكل متزايد خاصةً بعد أن أصبح نهج الصدام الذي تبنته الصهيونية الاستعمارية ضد الفلسطينيين الأصليين، وأرضهم وتطلعاتهم القومية أكثر وضوحاً يوم بعد يوم.