اتفاقية شرم الشيخ، 4 أيلول 1999
Map Details
أدت اتفاقية واي ريفر إلى تحويل عمليتي إعادة الانتشار الأولى والثانية الأخريين ضمن اتفاقية أوسلو 2 إلى ثلاثة مراحل، بينما جعلت عملية إعادة الانتشار الثالثة تخضع بالكامل للتقدير الإسرائيلي. وعندما قامت إسرائيل بتجميد عملية واي ريفر، لم يكن قد تم تنفيذ سوى شق واحد من عمليتي إعادة الانتشار التي كان يفترض تنفيذهما على ثلاثة مراحل. ولم يتم إجراء أية مباحثات حول مساحة أو موقع عملية إعادة الانتشار الأخيرة.
فاز الزعيم العمالي الجديد، الجنرال ايهود براك، بانتخابات عام 1999 على أساس وعود بالانسحاب من لبنان، وصنع السلام مع سوريا، وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين. ولم تفلح جهود براك الرامية إلى إرساء "موقف المساومة" مع الفلسطينيين من خلال تسريع المفاوضات مع سوريا، والتي ما لبثت أن فشلت عندما أتضح أن "خطة السلام" التي يطرحها مع سوريا تقضي بضم الشاطئ السوري من بحيرة طبريا (بحر الجليل) إلى إسرائيل. وعلى الرغم من قيام براك في النهاية بالانسحاب من طرف واحد من لبنان (في شهر أيار 2000)، فإن احتمالات نجاحه في إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لم تعد واردة نتيجة لتقديم موعد الانتخابات، وجاءت شروط رئيس الوزراء الجديد على شكل أربع "لاءات": لا للعودة إلى حدود الرابع من حزيران 1967 (حسبما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242)؛ ولا لعودة اللاجئين (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242)؛ ولا لأي شكل من السيادة الفلسطينية في القدس الشرقية (قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242)؛ ولا لتفكيك المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية (معاهدة جنيف ولاهاي وقرار مجلس الأمن 242).
يشار إلى أنه في الوقت الذي أعلن فيه ايهود براك عن رغبته في إنهاء الصراع، فقد أبقى على أسبابه الرئيسية قائمة. وبعد أن ورث 42 "بؤرة" استيطانية جديدة من الحكومة السابقة، حاز براك على اعتراف الولايات المتحدة بأنه "صانع سلام" عقب تفكيك 10 مواقع استيطانية غير مأهولة وواحدة مأهولة، بينما ترك 31 موقع على حاله الأمر الذي أكسبه رضى المستوطنين. وبنفس الوقت، ترك براك مذكرة واي ريفر "مجمدة" واتبع حيلة نتنياهو بطرحة صفقة نهائية من خطوة واحدة تؤدي إلى إقامة "كيان فلسطيني أقل من الدولة".
في صيف عام 1999 بلغ السخط الفلسطيني من المراوغات الإسرائيلية وضعف أداء السلطة الفلسطينية ذروته، حيث كشفت استطلاعات الرأي وجود انعدام ثقة خطير بالنوايا الإسرائيلية وإحباط عميق من عملية أوسلو. انقضى التاريخ المحدد أصلاً للتوصل من خلال أوسلو إلى اتفاق نهائي، وهو 4 أيار 1999، والسلطة الفلسطينية تسيطر فقط على 9.1% من الضفة الغربية و 60% من قطاع غزة – أي ما يشكل نسبة 12% من مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقط 28% من فلسطين التاريخية. ومع اقتراب التاريخ المحدد الثاني، 4 تشرين الأول 1999، أعلنت السلطة الفلسطينية خطتها الرامية إلى إعلان الدولة من جانب واحد، إذا ما استمرت إسرائيل في المماطلة.
الإصرار الفلسطيني على الوفاء بالالتزامات المتأخرة، دفع ايهود براك إلى تبني خط سلفه في إعادة التفاوض على ما تم التفاوض عليه. وفي 4 أيلول 1999، وقع ياسر عرفات وبراك "مذكرة شرم الشيخ حول تطبيق الجدول الزمني للالتزامات القائمة من الاتفاقيات الموقعة واستئناف مفاوضات الوضع الدائم". كما كان عليه الحال بالنسبة للاتفاقات السابقة، قامت إسرائيل بتجزئة مرحلتي إعادة الانتشار الثانية والثالثة غير المنفذتين من واي ريفر إلى ثلاث مراحل جديدة. ونتيجة لذلك، تقلصت عملية إعادة الانتشار الثانية المنصوص عليها في اتفاق أوسلو 2 مرة أخرى، في حين بقيت عملية إعادة الانتشار المتأخرة الثالثة، الواردة في واي ريفر، دون أي جدول زمني. ومرة أخرى، لم يتم الاتفاق على أي خريطة، حيث أكدت القرارات الإسرائيلية اللاحقة على حرمان السلطة الفلسطينية من التواصل الجغرافي الذي سعت إلى تحقيقه وحصلت فقط على "توسيع" للجيوب الواقعة تحت سيطرتها.
انسجاما مع النسب المئوية المقررة في اتفاقية واي ريفر، نص الملحق الجديد على أن تقوم إسرائيل بنقل 11% من الضفة الغربية من المنطقة ج إلى ب و 7.1% من المنطقة ب إلى أ. ودعت الخطة إلى البدء في مفاوضات الوضع الدائم بتاريخ 13 أيلول 1999، وإنهاؤها قبيل تاريخ 13 أيلول 2000. وفي 10 أيلول، قامت إسرائيل بنقل 7% من المنطقة ج إلى ب. وبعد ثلاثة أيام بدأت مفاوضات الوضع الدائم على حاجز إيرز في غزة. وبشكل متأخر في 6 كانون أول 2000، تمت عملية النقل الثانية لنسبة 2% من مناطق ب إلى أ و 3% من مناطق ج إلى ب. بعد ذلك، وبتاريخ 21 آذار 2000، قامت إسرائيل بنقل الجزء الثالث – 6.1% من المنطقة ب إلى أ و 1% من المنطقة ج إلى ب، فيما لم يتم تحقيق أي تقدم في المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار، حيث تأخرت منذ ذلك الحين لثلاث سنوات.6
مع عمليات إعادة الانتشار تلك، أصبحت السلطة الفلسطينية تسيطر على 17.2% من الضفة الغربية (منطقة أ) وتتحمل المسئولية المدنية في 23.8% (منطقة ب)، في حين احتفظت إسرائيل بسيطرة حصرية على 59% (منطقة ج). يذكر أنه بعد مضي حوالي سبع سنوات من إعلان المبادئ، وانقضاء مدة الخمس سنوات الانتقالية الأصلية، بقي 82.8% من الضفة الغربية و 40% من قطاع غزة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية. وأصبحت هذه المنطقة تشكل منطقة السيادة النهائية التي تمخضت عنها عمليات إعادة الانتشار التي شهدتها مرحلة أوسلو؛ وهي الحصيلة الكلية للانسحابات الإسرائيلية والإنجاز الذي حققته الحركة الوطنية الفلسطينية على الأرض بعد نضال دام أكثر من 50 عاماً. يجدر الذكر، أن هذا الإنجاز كان أيضاً قصير الأجل. حيث لم يكن التزام براك تجاه برنامج الاستيطان موضع نقاش، إذ تم تخصيص مبلغ 370 مليون دولار أمريكي لتمويل برنامج بناء القواعد العسكرية الجديدة وشق الطرق الالتفافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وشهدت حقبة براك عام 2000 مزيد من البناء في المستوطنات فاق مجموع ما تم بناؤه في كل من القدس الغربية، وحيفا وتل أبيب.