مشروع التقسيم الصادر عن لجنة بيل، 1937
Map Details
في عام 1929، أشارت لجنة التحقيق التي ترأسها هوب سمبسون بكل وضوح إلى عدم قدرة اقتصاد وديموغرافية فلسطينية على تحمل مزيد من حلة عدم الاستقرار التي تحدثها الهجرة الصهيونية والاستيطان. وقد التقت توصيات هذه اللجنة مع توصيات لجنة شو للعام 1930، لجنة التحقيق التي سميت على اسم السير والتر شو، والتي ارسلت للتحقيق في أحداث العنف التي بلغت ذروتها في سلسلة الانتفاضات المحلية التي انطلقت في عام 1929.
نص تقرير لجنة شو على أن " استمرار أو تسارع عملية (الهجرة والاستيلاء على الأراضي) تخلق طبقة مستاءة ولا تملك أية أراضي كبيرة هي عملية محفوفة بالمخاطر على البلد ككل". وقد حثت اللجنة الحكومة البريطانية على إجراء تقييم عاجل لسياسة الهجرة التي تبناها وأن تعالج "معاني نصوص الواردة في وثيقة الانتداب حول حماية مصالح التجمعات غير اليهودية". وقد تبنى الكتاب الأبيض البريطاني "كتاب باسفيلد" الصادر في تشرين الأول 1930 هذه النتائج، وجمد غالبية عمليات نقل ملكية الأراضي لليهود وحد من الهجرة. لكن رئيس الوزراء البريطاني، ماكدونالد، قرر في شباط 1933 - تحت ضغوط قادة صهاينة - إلغاء ذلك التجميد، حيث جاءت قرارته تلك في ما عرف "بالكتاب الأسود"، الذي أصدر (ماكدونالد) فيه تأكيداته الشخصية بهذا الشأن إلى رئيس منظمة الصهيونية العالمية، حاييم وايزمن"؛ وقد ذهب أبعد من ذلك ليمتدح " العمل البناء الذي قام به الشعب اليهودي في فلسطين ... وآثارهم الإيجابية على عملية التنمية ورفاهية البلد ككل".
ومن غير المفاجئ أن أخذ الاستياء الفلسطيني يتزايد من السياسة البريطانية، حيث أن احتمال حصولهم على حق تقرير المصير في ظل الانتداب البريطاني بدأ يتبخر. في تشرين الأول 1933، تم استخدام القوة في قمع سلسلة من الإضرابات والمظاهرات المناهضة للتواطؤ الصهيوني البريطاني، خلفت ورائها ما لا يقل عن 12 شهيد فلسطيني وأسعرت الغضب ضد التكتيكات العسكرية البريطانية.
مع حلول عام 1936، أي بعد سبع سنوات على تشكيل لجنة هوب سمبسون، ارتفع عدد السكان اليهود بأكثر من 150% أخرى، وتم بناء 62 مستوطنة إضافية، وأصبح ما يزيد على 1.5 مليون دونم من الأرض الفلسطينية ملكاً للصهاينة. وقد رأى الصهاينة في المستوطنات "حرساً للأرض الصهيونية" وأقروا مبكراً بأن "أنماط الاستيطان ستحدد بدرجة كبيرة حدود الدولة (اليهودية المستقبلية)". وقد أطلق الرئيس التنفيذي للوكالة الصهيونية، دفيد بن غوريون، على المستوطنين اسم "جيش الإنجاز الصهيوني" . وفي أواسط نيسان 1936، أثبتت الاشتباكات العربية اليهودية التي اندلعت في منطقة يافا أن لا مناص من المواجهة، حيث ثارت اللجان الوطنية الفلسطينية على طوال البلاد تلبية لدعوة القيادة الفلسطينية الممثلة، والتمثلة في اللجنة العربية العليا، التي سارع البريطانيين إلى حظرها. ورغم قيام البريطانيين بزج أعضائها في السجون وفرض منع تجول في مختلف أرجاء البلاد، إلا أن الانتفاضة العربية استمرت في كافة أرجاء فلسطين الخاضعة للإنتداب طوال الفترة الممتدة من نيسان إلى تشرين الأول 1936.
أحدث امتداد الثورة والدعم الذي حظيت به على مستوى المنطقة قلقاً بين صفوف البريطانيين، الذين استدعوا قوات إضافية في أيلول من أجل إخماد الانتفاضة. وفي ظل خوفهم من عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي، وتحت ضغوط من ولية نعمتهم (بريطانيا) تحرك القادة العرب أخيراً للتوسط من أجل إخماد الثورة، بينما قامت بريطانيا بإرسال لجنة تحقيق مرة أخرى.
عند وصولها إلى فلسطين في تشرين الثاني 1936، شرعت اللجنة الملكية لفلسطين، برئاسة اللورد بيل، في تقييم جدوى ومستقبل الانتداب. وفي تقريرها الذي نشر في تموز 1937، خلصت اللجنة إلى القول بأن " الانتداب على فلسطين يجب أن ينتهي ويستبدل بنظام معاهدة ...". وقد تضمنت المعاهدة المقترحة تصوراً لتقسيم فلسطين، مع بقاء القدس وبيت لحم تحت نظام انتداب منفصل يمتد حتى ميناء يافا. كان يفترض أن يتحد الجزء الذي سيخصص للفلسطينيين مع شرق الأردن، بينما تقوم الدولة اليهودية بدفع إعانة إلى الدولة العربية، التي سيتوجب على الفلسطينيين المقيمين في منطقة الدولة اليهودية الانتقال إليها. وقد أصبحت خطة يبل بشقيها (التقسيم وترحيل السكان) نقطة مرجعية لغالبية الخطط المستقبلية الخاصة بحل قضية فلسطين.
رفض الفلسطينيون بحزم فكرة قيام دولة يهودية على 33% من أرض فلسطين، وما يترتب على ذلك من تجريد لمئات آلاف الفلسطينيين من أملاكهم. أما القيادة الصهيونية، التي تشجعت من الشرعية التي أضفتها الخطة على برنامجها، ولكن دون أي رضى عن نطاق السيطرة الذي تضمنه لها هذه الخطة، فقد قبلت بمبدأ خطة التقسيم ورفضت تفاصيلها. كما رفضت حركة جابوتنسكي الرجعية الخطة بالكامل وشرعت في أيلول 1937 بحملة عنيفة ضد الفلسطينيين والبريطانيين، حيث شكل ذلك منعطفاً لعودة للعنف وانطلاقة جديدة للثورة العربية.