اتفاقيات كامب ديفيد، 1978 – 1979
Map Details
شكلت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل في عام 1977، والتي ألقى خلالها خطاباً سياسياً أمام الكنيست الإسرائيلي، بداية لعملية دبلوماسية مكثفة قادت إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979. بموجب اتفاقيات كامب ديفيد للفترة 1978 – 1979، استعادت مصر أرض سيناء وحصلت إسرائيل على اعتراف عربي كانت تسعى له. كما أدت أيضاً إلى "إخراج" مصر من جامعة الدول العربية ومن ثم اغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981.
مع حلول عام 1977، فقدت مكتسبات حرب 1973 قيمتها في مصر، التي شكل فيها التدهور الاقتصادي والتكلفة المرهقة للحفاظ على جيش قائم، تهديداً حياً لمصداقية نظام الحكم. وتمخضت اتفاقية فصل القوات في سيناء التي أبرمت بوساطة أمريكية، إلى إعادة تمركز القوات الإسرائيلية والمصرية في مواقع إلى منطقة شرق قناة السويس؛ بعد أن تم التوصل إلى اتفاقية "سيناء 2" التي تم بموجبها إنشاء منطقة عازلة بين الطرفين. لكن ما يمكن قوله بهذا الشأن أن تلك الاتفاقيات كانت في حقيقة الأمر اتفاقيات "ارتباط" أمريكية – إسرائيلية، خاصةً مع التعهد الأمريكي بتقديم أربعة مليارات دولار أمريكي سنوياً إلى إسرائيل على مدار ثلاث سنوات مقابل إضفاء حالة من الاستقرار على منطقة القناة وتخفيف حدة التوتر الإقليمي. وهكذا، فإن الاتفاقية كانت بعيدة كل البعد عن كونها معاهدة سلام، حيث أنه لم تنص بحد ذاتها على إنسحاب إسرائيلي متفق عليه أو حتى مفاوضات حتى النهاية.
أحبطت مصادقة الجامعة العربية في عام 1974 على كون منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" المطامح الإسرائيلية في إبرام اتفاقية سلام منفصلة مع الأردن، بالإضافة إلى أن تلك المصادقة وضعت القيادة الفلسطينية التي ترفض إسرائيل إلى الاعتراف بها في موقع مركزي فيما يتعلق بالتوصل إلى السلام "الشامل"، الذي أصرت عليه الدول العربية. كانت صيغ السلام الأولية التي طرحها السادات مسترشدة بعقيدة السلام "الشامل"، وتدعوا إلى مباحثات متعددة لا تهدف إلى الإنسحاب الإسرائيلي من سيناء وحسب، وإنما للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242. لكن رفض مناحيم بيغن التام لمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية أو إجراء أية مباحثات حول السيادة في الأرض الفلسطينية المحتلة وضع الرئيس السادات في عزلة، بينما لم تقدم المباحثات الثنائية في عام 1978، والتي جرت تحت رعاية أمريكية، للفلسطينيين سوى كلام مجرد. وإدراكاً من تفهم مناحيم بيغن لمخاوف الرئيس السادات من الظهور بمظهر "الخائن" للفلسطينيين والوحدة العربية مقابل مكاسب شخصية، وافق مناحيم بيغن في نهاية المطاف على إطار لحكم ذاتي فلسطيني جزئي في الأرض الفلسطينية المحتلة، مع احتفاظه بتعريف غامض يفتقر إلى أي التزام حقيقي.
أدى ضعف صيغة الحكم الذاتي ورفضها من منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية أتاح لبيغن فرصة للجمع بين التطبيع والاعتراف المتبادل مع أكبر دولة "مواجهة لإسرائيل" وبين اعتراف دولي غير معلن بالسيادة الإسرائيلية الراهنة على إسرائيل موسعة، تضم الأرض الفلسطينية المحتلة أيضاً. كان ذلك هو العامل (جنباً إلى جنب مع المكاسب المترتبة على تقسيم العالم العربي وتذويب أي ضغوط قد يمارسها العرب على الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة) الذي سمح لحكومة "الصقور" الليكودية التي يتزعمها بيغن بقبول انسحاب على مراحل من سيناء يستغرق ثلاث سنوات مقابل السلام مع مصر. تم توقيع المعاهدة النهائية في آذار 1979، تلاها بأربعة أيام طرد مصر من جامعة الدول العربية. وقد نعت المجلس الوطني الفلسطيني المعاهدة "بالمؤامرة التي يتوجب رفضها ومقاومتها بكافة السبل" . كما رأت منظمة التحرير الفلسطينية فكرة الحكم الذاتي على حقيقتها: فتات للفلسطينيين كشف أن إسرائيل لا تمتلك أي خطط لتنفذها.
ولم يقتصر الأمر على أن الحكم الذاتي لم يبدأ أبداً، لكن المضاعفات المحلية لقيام إسرائيل بإخلاء 17 موقع استيطاني غير شرعي في سيناء (بتعداد سكاني يزيد عن 5.000 مستوطن) جلبت معها أساساً "تعويضياً" مسانداً للاستيطان غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة. بدأ الاستيطان في سيناء في عام 1967، لكنه أصبح أحد المكونات الرسمية لخطة ألون الموسعة في أوائل السبعينيات. استمرت الحكومتان العمّاليتيْن لجولدا مئير وإسحق رابين في متابعة خطة للاستيطان في جنوب سيناء وحتى شرم الشيخ، مع خلق منطقة استيطانية "عازلة" بين قطاع غزة ومصر في المنطقة الشمالية من شبه جزيرة سيناء. وتنفيذاً لهذه الخطة، تم طرد آلاف البدو المصريين من المناطق المستهدفة. كما أن مناحيم بيغن شجع ووسع هذا البرنامج الاستيطاني، لدرجة أنه كان يخطط أثناء مباحثات كامب ديفيد لقضاء فترة تقاعده في سيناء.
الصراع المناهض للإخلاء من جانب التوسعيين واللوبي الاستيطاني – داخل وخارج الحكومة – احتدم واتخذ طابعاً مريراً وعنيفاً في بعض الأحيان. في 22 نيسان 1982، استخدمت القوات الإسرائيلية القوة في إخلاء بلدة ياميت "المركز الحضري" الاستيطاني في سيناء، واكتمل الانسحاب في موعده المحدد (25 نيسان). لكن إسرائيل احتفظت فقط ب طابا، منطقة مساحتها 1.2 كم2 تقع في غرب إيلات. وقد ألهب إخلاء سيناء مشاعر الحركات الاستيطانية، التي أخذت تحشد طاقاتها لزيادة الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
أرست اتفاقيات كامب ديفيد – والملحق الذي تضمنته حول الحكم الذاتي في الأرض الفلسطينية المحتلة – أساساًَ لمبادرات سياسية مستقبلية، بما في ذلك عملية أوسلو المتداعية، وشكلت حقبة جديدة في تاريخ العلاقات الأمريكية – العربية، حيث أصبحت مصر في طليعة الخطط الدفاعية الأمريكية في المنطقة. لكن اعتراف مصر بإسرائيل كلفها فقدان مركزها القيادي للعالم العربي وحياة السادات. كما أن السلام مع مصر قد مكن إسرائيل من إحكام قبضتها على الأرض الفلسطينية، ومكنها من التركيز بحرية على القضاء على "شبه الدولة" التي أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.