غزة، 2000
Map Details
أشار المستشار القانوني الإسرائيلي، يوئيل زنجر، خلال المفاوضات التي قادت إلى اتفاق غزة أريحا (أوسلو 1) عام 1994 إلى أن "طبيعة الكيان الفلسطيني لن يكون مستقلاً ولا يتمتع بالسيادة – وسوف يكون تابعاً كليا لسلطة الحكم العسكري"1. والآن يقف قطاع غزة، بعد ست سنوات من عمليات إعادة الانتشار خلال مرحلة أوسلو 1، شاهداً على هذه الحقيقة، إذ تسيطر السلطة الفلسطينية على 210 كم مربع (58%) من مساحة القطاع البالغة 365 كم مربع. وتتكون المنطقة الباقية التي تسيطر عليها إسرائيل من حوالي 19 مستوطنة، وثلاث طرق جانبية للمستوطنين (والمناطق المحيطة)، ومنطقة الحدود المصرية الجنوبية، ومنطقة حاجز إيرز الشمالية، والشريط الأمني المحاذي للسياج المكهرب على الحدود الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، تم تطويق ساحل غزة بشريطين أمنيين، يمتدان لمسافة 32 كم عبر البحر من شمال وجنوب القطاع، مما يحصر سفن الصيد الفلسطينية في "المنطقة L" الواقعة بين الشريطين.
تشكل مستوطنة غوش قطيف الكبيرة التي تلتقي في الجنوب مع مواقع كفار داروم ونتساريم الصغيرة والمعزولة في المنطقة الوسطى ومواقع إيلي سيناي – دوغيت في الشمال، كتلة استيطانية محمية بشكل مشدد من قبل الجيش الإسرائيلي. يذكر أن الطرق المؤدية إليها، والتي تخضع لحماية عسكرية وسيطرة إسرائيلية تامة، تضع حركة الفلسطينيين في القطاع الذي يبلغ طوله 45 كم رهن الموافقة الإسرائيلية. أدى إنشاء المعسكرات، والحصون ونقاط التفتيش العسكرية على هذه الطرق الجانبية بعد إعادة الانتشار عام 1994، إلى جانب إغلاق قطاع غزة، منذ العام 1994، إلى ظاهرة "الإغلاق الداخلي لغزة". نتيجة لذلك، لم يتم فقط فصل غزة عن الضفة الغربية وإسرائيل فحسب، بل أيضا وحسب تقديرها، صعّبت إسرائيل من إمكانية التنقل بين جنوب، ووسط وشمال غزة لمدة طويلة دون انقطاع.2 يجدر الذكر بأن آلاف الفلسطينيين من غزة، بما في ذلك العديد من طلبة الجامعات، مجبرين على البقاء لشهور بل ولسنين في الضفة الغربية، غير قادرين على التنقل "بشكل قانوني" فيها وممنوعين أيضاً من العودة إلى بيوتهم.
أدى إغلاق غزة إلى آثار مدمرة على الاقتصاد الفلسطيني، مما جعله يعتمد إلى حد كبير على العمالة اليومية في إسرائيل وعلى "الصادرات" إلى أو عبر إسرائيل طوال الاحتلال. بين الأعوام 1992 و 1996، انخفض إجمالي الناتج القومي للفرد بنسبة 37% نتيجة للإغلاق. وبحلول منتصف العام 1996، بلغت نسبة البطالة 66% من إجمالي القوى العاملة.3 وفي عام 1998، أدرجت اللجنة الوطنية لمحاربة الفقر 51% من سكان جنوب غزة، و 39.5% من سكان وسط غزة و 31% من سكان شمال غزة على أنهم يعيشون تحت خط الفقر (بأقل من 2 دولار في اليوم). وكان ثلثي فقراء غزة في حالة "فقر مدقع"، أي غير قادرين على تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية.4
في عام 2000، قدرت وكالة الغوث الدولية مجموع عدد سكان قطاع غزة بحوالي 1.100.000 نسمة، 78% منهم سكان مخيمات، حيث شكل أكبر تجمع للاجئين خارج الأردن. ويعتمد حوالي 9% منهم على المساعدة التي يتلقاها "المحتاجين".5 وظل ما يزيد على نصف سكان المخيمات البالغ عددهم 844.622 نسمة يقيمون في أحد مخيمات القطاع الثمانية. يذكر أن الكثافة السكانية في مخيم جباليا – أكبر هذه المخيمات - تعادل 83.375 شخص للكيلومتر المربع.6 بنفس الوقت، يعطي 6.900 مستوطن إسرائيلي فقط لإسرائيل الحجة لكي تسيطر على الطرق الحيوية لقطاع غزة، وعلى موارد المياه الجوفية وعلى الأراضي.7 وخلال التسعينيات، زاد معدل حيازة المستوطن في غزة للأرض 699 مرة على معدل حيازة اللاجئ الفلسطيني في غزة. كما أضرت سيطرة المستوطنين على الأحواض المائية إلى حد كبير بجودة وكمية مياه الشرب المتوفرة في غزة، في حين ظل استهلاك المستوطن أكثر بحوالي 16-30 مرة من معدل استهلاك الفرد الفلسطيني (راجع الخريطة 66). واضطر الفلسطينيين في غزة إلى دفع أربعة أضعاف السعر الممنوح للمستوطنين من قبل شركة المياه الإسرائيلية التي تسيطر على تدفق المياه.8
لم يتم بعد عام 1994 التطرق في المفاوضات إلى أية عمليات إعادة انتشار أخرى في غزة. وفقط في شهر تشرين الثاني 1998 أوفت إسرائيل جزئياً بالتزاماتها للعام 1994، وسمحت بفتح مطار غزة – تحت سيطرة أمنية إسرائيلية. وبعد عام، سمحت ببدء العمل في الميناء البحري. وتجدر الإشارة إلى أن عزل غزة عن الضفة الغربية لفترة طويلة، يعتبر خرقاً لالتزامات إسرائيل الواردة في اتفاق أوسلو1 والتي يقضي بضرورة توفير "ممر آمن" يربط غزة بالضفة الغربية. وتم افتتاح أحد هذه الطرق – الممر الآمن الجنوبي الذي يربط بين نقطة عبور إيرز وترقوميا قرب الخليل – بتاريخ 18 تشرين الأول 1999، على الرغم من أن استعماله ظل محصوراً على مجموعة من الفلسطينيين الحاصلين على موافقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. أيضاً، احتفظت إسرائيل بسيطرة حصرية على نقاط العبور على الحدود المصرية جنوب رفح، فيما تم الاحتفاظ بنقاط العبور القائمة على طول حدود قطاع غزة الشرقية لمرور المستوطنين فقط، بالإضافة للبضائع التجارية، التي يتم نقلها بواسطة السلطات الأمنية والضريبية الإسرائيلية، الأمر الذي وضع التجار واقتصاد غزة بشكل عام تحت "رحمتهم".
أكدت درجة السيطرة التي احتفظت بها إسرائيل على قطاع غزة الممزق والمعزول في عام 2000 على إنجازها الرئيسي في أوسلو: في الوقت الذي ألقت فيه عن كاهلها عبء إدارة السكان الثقيل سياسياً، والمكلف والخطر، ضمنت إسرائيل لنفسها سلطة مطلقة تقريباً على اقتصاد غزه، وحركتها وأرضها ومواردها، أكثر من أي مكان آخر، تصور دور المستوطنات في إدامة هذا الشكل من الظلم.