حرب السويس، 1956
Map Details
خلال الفترة من 1949 - 1956، قامت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين ولجنة الهدنة المختلطة (التي كلفت بمراقبة التزام كافة الأطراف باتفاقيات الهدنة التي تم التوصل لها عام 1949)، بإدانة إسرائيل لارتكابها سلسلة من الهجمات الوحشية على "أهداف" مدنية عبر خطوط الهدنة في كل من قرية قبيا (1953)، ومدينة خانيونس (1955) ومدينة قلقيلية (1956) وهي مجازر لم يسبق لها مثيل منذ انتهاء حرب 1948.
أثارت الهجمات الإسرائيلية قلق الولايات المتحدة وبريطانيا، ومع ازدياد زخم الحرب الباردة وارتفاع مستوى التوتر الإقليمي. من ناحية أخرى، تركت تحالفات بريطانيا مع الأردن والعراق، جنباً إلى جنب مع تخوف الولايات المتحدة من التغلغل السوفيتي في المنطقة، مجالاً محدوداً لبروز قائد عربي قوي، قد يعرّض مصالحهم للخطر ويتحدى تشدد وغطرسة إسرائيل. وقد شكل وصول جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر بين عامي 1952 و 1955 نقطة تحول في هذه العلاقات. حدث ذلك بينما كانت بريطانيا وفرنسا تسيطران على قناة السويس بموجب امتياز ممنوح للشركة العالمية لقناة السويس لمدة 80 سنة – من مخلفات الترتيبات الاستعمارية البريطانية الرامية إلى السيطرة على منابع النفط والشحن البحري، والتي شكلت جائزة بريطانيا في المنطقة. كما كانت في ذات الوقت شاهداً حياً على القيود المفروضة على الاستقلال العربي على الصعيدين الإقليمي والاقتصادي.
حقق عبد الناصر شعبية كبيرة على المستوى الإقليمي من خلال مواقفه الوطنية أمام سياسات القوى العظمى وإدانته المتكررة لإسرائيل. وقد أثارت دعوته المتكررة لقيام وحدة عربية، وكلّلها بإبرامه صفقة لشراء أسلحة من الكتلة السوفيتية، فنال سخط بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، التي كانت قد رفضت تزويده بالسلاح، رغم عروضها له لتمويل مشروع بناء سد أسوان الكبير من خلال قروض مرهونة شرط موافقته على إخضاع الاقتصاد المصري لسيطرة البنك الدولي. إلا أن توجه عبد الناصر للسوفيت أدى إلى امتداد الحرب الباردة إلى المنطقة بسرعة. ومن جانب آخر، تحالفت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لاجتياح مصر قبل وصول الأسلحة السوفيتية. وأسرعت فرنسا بتزويد إسرائيل بأسلحة وآليات عسكرية بينما أجرت بريطانيا مشاورات مع حلفائها الإقليميين.
في 26 تموز 1956، أعلن عبد الناصر عن قرار الحكومة المصرية تأميم قناة السويس، وتعهد بتعويض المساهمين الأجانب (الإنجليز والفرنسيين)، وأعلن عن نيته استخدام عائدات القناة في تمويل بناء سد أسوان. أبلغ رئيس الوزراء البريطاني، أنطوني أيدن، مجلس وزرائه "... لن تتاح لنا ذريعة للتدخل ضده أفضل مما هو متاح لنا الآن كنتيجة لاستيلائه على قناة السويس." مع توخي الولايات المتحدة الحذر والدعم العالمي الذي حظي به موقف عبد الناصر، شرعت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا في الإعداد لخطط عسكرية لإسقاط الرئيس جمال عبد الناصر وإعادة السيطرة على قناة السويس.
في 29 تشرين الأول لعام 1956، واستناداً إلى حلف مبرم مسبقاً (حلف سفرس SEVRES)، شنت إسرائيل هجوماً عسكرياً عبر شبه جزيرة سيناء غير المحصنة. لكن أوائل الضحايا لم يكونوا من المصريين، وإنما داخل حدود إسرائيل نفسها، حيث لقي 43 مدنياً فلسطينياً مصرعهم في مذبحة أخرى ارتكبت بحقهم بدم بارد أثناء فرض إسرائيل حظر تجول على الأقلية العربية. بعد قصف مطار القاهرة وتدمير الدفاعات الجوية المصرية، رست القوات البحرية الأنجلو – فرنسية في ميناء بور سعيد، بعد 15 دقيقة من انتهاء الموعد الذي حددته الأمم المتحدة لوقف العمليات العدائية. وبدعم من البحرية الفرنسية، أحكمت إسرائيل سيطرتها على قطاع غزة (في 3 تشرين الثاني) وسيناء (5 تشرين الثاني)، وانتهت المعارك الحربية في صبيحة 7 تشرين الأول. وكان من نتيجتها أن سيطرت بريطانيا وفرنسا على قناة السويس، بينما تمكنت القوات الإسرائيلية من السيطرة على كامل شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المدنية المصرية.
بالنسبة لإسرائيل، كانت السيطرة على سيناء تعني الوصول إلى مضائق تيران، الذي استخدمته مصر في قطع الطريق أمام قنوات الشحن الإسرائيلية. وفي تلك الأثناء، كانت إسرائيل تشيد ميناءً جديداً في إيلات، وتسعى لتعزيز قدراتها في الوصول إلى البحر المتوسط من خلال خليج العقبة. لكن، ومع تزايد الانتقادات على مستوى العالم وخشية الولايات المتحدة من حدوث اضطرابات إقليمية، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على المحتلين للانسحاب، وأصرت إسرائيل على ضمانات أمريكية للحصول على ممر آمن كشرط لتنفيذ المطالب الأمريكية. وقد انسحبت بريطانيا وفرنسا من السويس في أواخر كانون الأول 1956، بينما تأخر الانسحاب الإسرائيلي من السويس وغزة حتى آذار من عام 1957. ونشرت الأمم المتحدة في المنطقة قوات طوارئ دولية، بقيت في قطاع غزة جنباً إلى جنب مع السلطات المصرية حتى اندلاع حرب عام 1967.
كان لحرب السويس تبعات ومضاعفات جسيمة على أرض الواقع، شكلت هذه الحرب بداية النهاية للوجود البريطاني في المنطقة، بينما بدأت الولايات المتحدة تتقدم كلاعب رئيسي. في عام 1958، تمت الإطاحة بالنظام الملكي في العراق بانقلاب عسكري قاده عبد الكريم قاسم؛ وكانت القوات الأمريكية تنتشر في لبنان مع حلول صيف ذلك العام. من ناحية أخرى، حققت المواقف الوطنية التي تميز بها الرئيس عبد الناصر شعبية كبيرة في العالم العربي وخارجه، وأصبح "رمزاً للشعوب العربية". وشكل تنامي مشاعر الوحدة العربية وقوداً للحركات الوطنية الفلسطينية الناشئة، حيث تأسست أولى نواة حركة التحرير (فتح) خلال الفترة 1957 – 1958 في الكويت.