فلسطين تحت الانتداب البريطاني
Map Details
استرشد قرار منح بريطانيا انتداباً على فلسطين في عام 1920 بأحكام معاهدة فرساي التي انبثقت عن مؤتمر باريس للسلام في عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولى. وهناك، نصت المادة 22 من الميثاق التأسيسي لعصبة الأمم على " لقد وصلت تجمعات معينة من جملة تلك التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية إلى مرحلة من التطور أصبح فيها من الممكن الاعتراف مؤقتاً بوجودها كأمم مستقلة، بما يخضع لتقديم النصح والمساعدة الإدارية من سلطات الانتداب حتى يكون بمقدورها إدارة شؤونها بمفردها
تضمن الإعلان الذي صدر عن مؤتمر سان ريمو للعام 1920 قراراً يقضي بمنح بريطانيا انتداب على فلسطين، إلا أن ذلك الانتداب لم يطبق رسمياً بالكامل إلى أن قامت عصبة الأمم بالموافقة والمصادقة على بنوده في عام 1923. وفي سياق صياغتها لبنود الانتداب، استندت بريطانياً إلى وعد بلفور وموقف حكومتها الذي "يدعم تأسيس وطن قومي للشعب اليهود في فلسطين" وقد وجهت المادة 4 من وثيقة الانتداب الدعوة إلى المنظمة الصهيونية "لاتخاذ خطوات بالتشاور مع الحكومة الملكية البريطانية لضمان تعاون جميع اليهود الذين يرغبون بالمساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي." كما ألزمت مواد أخرى من وثيقة الانتداب بريطانيا بتسهيل وتشجيع الاستيطان الصهيوني وامتلاك الأراضي. وقد تمت صياغة المسودة النهائية من وثيقة الانتداب في عام 1922. وفي نفس العام، قامت بريطانيا بإجراء أول تعداد سكاني كامل في فلسطين، وتبين من نتائه أن تعداد السكان اليهود بلغ 11.4% من مجموع السكان، وأن ما لا يقل عن 32.2% منهم قد هاجروا إلى فلسطين منذ تولي بريطانيا السلطة في فلسطين.
تضمن الكتاب الأبيض الذي أصدره وينستون تشيرتشل حول فلسطين في عام 1922 تقسيماً رسمياً لمنطقة الانتداب الرسمية (التي يحتمل أن تكون قد شملت شرق الأردن وفلسطين)، وجعل الانتداب مقتصراً على منطقة فلسطين. ومع حصولها على مصادقة عصبة الأمم على ذلك في أيلول 1922، رسمت بريطانياً رسمياً حدود شرق الأردن وفلسطين، جاعلة موافقتها على إقامة وطن قومي يهودي تقتصر على فلسطين. وبعد ذلك بقليل، اعترفت بريطانيا في نيسان 1923 بالأمير الهاشمي عبدالله بن الحسين كحاكم شرعي لإمارة شرق الأردن التي تمتعت بحكم ذاتي.
بعد إعلان مؤتمر سان ريمو للعام 1920، عرض قادة فلسطينيون قضيتهم على الحكومة البريطانية، في محاولة منهم لإلغاء البنود المتعلقة بالوطن القومي اليهودي في وثيقة الانتداب، إلا أن هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح ثانية. ومع قيام الكونغرس الأمريكي بالمصادقة رسمياً على السياسات البريطانية المؤيدة للصهيونية وفحوى وعد بلفورفي 21 أيلول 1922، وجد الفلسطينيون أنفسهم أكثر بعداً من عمليات صنع القرار. وأصبحت الأنشطة السياسية المحلية الفلسطينية تلاقي قمعاً شديداً من البريطانيون، الذين لم يتوانوا عن استخدام القوة والعقوبات القاسية في سياق سعيهم للقضاء على العديد من الاحتجاجات الشعبية، والإضرابات، وأنشطة المقاطعة التي شرع بتنفيذها المجلس الوطني الفلسطيني والأحزاب السياسية القومية.
استناداً إلى المادة 4 من وثيقة الانتداب، تشكلت الوكالة الصهيونية في فلسطين لتحقيق هدف معلن تمثل في تسهيل تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وقد أنيطت بالوكالة الصهيونية مهمة العمل كحكومة يهودية غير رسمية في فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني؛ وقد ربطتها بالإدارة البريطانية علاقات وثيقة انطلاقاً من صفتها تلك. وكان أول رئيس للوكالة الصهيونية، فريدريك كيش، عقيد في الجيش البريطاني؛ وكان يشجع زملائه الصهاينة على التعلم والاستفادة من أبناء جلدته ورعاة حلمه البريطانيين في تسهيل بناء نظام إداري مستقل في فلسطين. وقد كان المعسكر الصهيوني منقسماً حول استثناء شرق الأردن من وثيقة الانتداب. وقد كانت قيادة منظمة الصهيونية العالمية قانعةً بالسعي سراً للحصول على اعتراف الأمير عبدالله بدولة يهودية في فلسطين مقابل إسقاط المطالب الصهيونية بالاستيطان في شرق الأردن. إلا أن آخرين، بزعامة فلادمير جابوتنسكي البولدني الأصل، رفضوا أية تسوية وأصروا على تسريع الاستعمار المدعوم بالقوة في كل من فلسطين وشرق الأردن.