الشتات الفلسطيني، 1958
Map Details
بعد مرور سنتين على النكبة الفلسطينية، أصبح أكثر من مليون لاجئ فلسطيني أرقاماً في سجلات "الأونروا". وقد أقام حوالي387.65 فلسطينياً في 58 مخيم للاجئين أصبحت لاحقاً تدار من الأونروا، بينما كانت البقية تعتمد على المساعدات التي تقدمها الأونروا لهم. لكن أعداد أخرى غير معلومة من اللاجئين لم يتم تسجيلها في سجلات الأونروا بسبب محدودية المجال والصلاحيات التي منحت لها. تأسست الأونروا رسمياً في أواخر عام 1949، وبدأت في تنفيذ عملياتها في أيار 1950، حيث كانت الحاجة إلى برنامج دولي منسق يهدف إلى التخفيف من معاناة المشردين في أوجها. في كانون الأول 1948، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي طالب بالعودة السريعة للاجئين واسترجاع ممتلكاتهم، معلناً "... سوف نأخذ كل شيء ... لن نسمح للعرب بالعودة" قبل ذلك بثلاثة أشهر، كان تقييم كبير وسطاء الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك بيرنادوت بأنه "لا يمكن أن تكون هناك أية تسوية عادلة وكاملة إذا لم يتم الاعتراف بحق اللاجئين العرب في العودة إلى بيوتهم التي أخرجوا منها" وأدى تقييمه هذا إلى اغتياله على يد أعضاء في عصابات الهاغانا العسكرية اليهودية.
كان حجم مشكلة اللاجئين يهدد المنطقة بكارثة اقتصادية، حيث أن موجات اللاجئين الأولى في الفترة 1947 – 1948 قد ضاعف عدد سكان غزة بثلاثة أضعاف، وضاعف عدد سكان الضفة الغربية، ووضع ضغوطاً لا يمكن تخيلها على الاقتصاديات الهشة والفقيرة للدول المجاورة كالأردن ولبنان وسوريا. جاءت الأونروا تحمل تفويضا لتزويد اللاجئين المقيمين في مختلف أرجاء المنطقة بالمأوى وبرامج تعليمية، وصحية، وغذائية؛ حيث أصبحت بذلك الجهة الرئيسية التي تقدم الخدمات العامة لأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ فلسطيني. لقد كانت المهمة الملقاة على عاتق الأونروا جسيمة، وبلغ عدد اللاجئين الذين استمروا يعيشون في خيام 87% من إجمالي عدد اللاجئين. كما أن الأزمات الإقليمية، خاصةً الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة (تشرين الثاني 1956 – آذار 1957)، قد تسببت في تعقيد عمل الأونروا وجعلت حياة اللاجئين أكثر صعوبة. كما أن قيود الموازنة وارتفاع معدل النمو بين اللاجئين، التي وصلت إلى 10% في عام 1958، قد تسببت في إضفاء مزيد من التعقيد على عمل الأونروا. وقد صارعت المخيمات لتوفير الحد الأدنى من المأوى وخدمات الصرف الصحي، حيث كانت الغالبية العظمى من السكان تفتقر إلى شبكات المياه والمجاري والسكن والخدمات.
مع حلول عام 1958، كان 70% من سكان قطاع غزة قد أصبحوا لاجئين مسجلين. كما أن "ضم" الضفة الغربية إلى الأردن في عام 1950 كان يعني أن حوالي 75% من سكان المملكة الأردنية الهاشمية كانوا من الفلسطينيين، منهم حوالي 36% لاجئين مسجلين. إلا أن الأرقام في سوريا ولبنان كانت أقل من ذلك بكثير (2.5% و 8% على التوالي). وفي سياق خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1958، وصف الموفد العربي المسئول عن الشؤون الفلسطينية، أحمد الشقيري، حقوق اللاجئين، بما فيها العودة إلى بيوتهم بأنها " حقوق طبيعية ومتأصلة، ومكتسبة ذاتياً .... وليست مِنّة من الأمم المتحدة، بصرف النظر عن إسرائيل. لا يمكن إنكار هذه الحقوق ... بموافقة أو غير موافقة، هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم ولا راد لها، وغير قابلة للتجزئة."
لقيت دعوة الحركة القومية الفلسطينية في أواخر الخمسينيات دعماً فورياً وحماساً في مخيمات اللاجئين. وبشكل متسارع، تبوأ لاجئون من المخيمات الموجودة في الأردن، وقطاع غزة، ولبنان مراكز قيادية في تنظيم حملات دعائية، وتدريب المقاتلين، والقيام بعمليات عسكرية، حيث شكل ذلك "مولداً جديداً" للمقاومة الفلسطينية. وقام ياسر عرفات مع عدد من رفاقه بتشكيل حركة فتح رسمياً في عام 1958، التي أصدرت في منتصف عام 1959 أول جريدة لها، عرفت باسم فلسطيننا – دعوة الحياة.