قطاع غزة 2006 – 2009
Map Details
في 25 كانون الثاني (يناير) 2006 وبعد حوالي عشر سنوات من انتصار حركة فتح في الانتخابات التشريعية الأولى تحقق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبشكل مفاجئ انتصارها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثانية وذلك بالحصول على 74 مقعداً برلمانياً من أصل 132 مقعد مما أبقى لحركة فتح 45 مقعداً. وأعلن المراقبون الأوروبيون أن الانتخابات قد أجريت بطريقة عادلة وديمقراطية حيث أشادوا بها بوصفها مثالاً للانتخابات في العالم العربي بأسره. وحاولت حركة حماس تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح إلا أن قادة حركة فتح رفضوا التعاون فقامت حركة حماس بتشكيل حكومة أغلبية في آذار (مارس) 2006 برئاسة إسماعيل هنية. إلا أن المجتمع الدولي قام بمقاطعة هذه الحكومة فوراً وبشكل واسع بدعوى عدم التزامها "الشروط" الثلاث: نبذ الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، والقبول بكافة الاتفاقيات السابقة التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية . وقد قامت حركة حماس في نهايات عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتم تصنيفها "كمنظمة إرهابية" من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والإتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات الدولية وعملت من جهتها على إزالة دعوتها لدمار إسرائيل من بيانها الانتخابي الرسمي وذلك إلى تأسيس "دولة مستقلة عاصمتها القدس." ونتيجة لذلك تم فرض عقوبات دولية على الفلسطينيين حيث عُلق الدعم الخارجي إلى السلطة الفلسطينية وتوقفت إسرائيل عن نقل الضرائب مما أدى إلى مشكلة حادة في السيولة وتراجع غير مسبوق للاقتصاد المحلي وخصوصاً في قطاع غزة. وبدأ مسؤولون من كلا الحركتين "حرباً إعلامية" وانتقادات جادة فيما بينهما وبدأ التوتر يتحول إلى أعمال اشتباك ميداني.
في حزيران (يونيو) 2006 تم الاتفاق على هدنة هشة بين حركة حماس وإسرائيل. وبدأت فترة من موجات العنف المتبادلة والتي تصاعدت في نهاية الشهر بعد مهاجمة تنظيمات فلسطينية قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب الحدود المصرية وأسر جندي إسرائيلي. انتقمت إسرائيل من خلال الشروع في عمليتين عسكريتين كبيرتين ("عملية أمطار الصيف" و"عملية غيوم الخريف") في قطاع غزة في الفترة ما بين نهاية حزيران (يونيو) ونهاية تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2006 حيث قتل أكثر من 400 فلسطيني نصفهم من المدنيين ومن ضمنهم 90 طفل. وفي هذه الأثناء أدى الاقتتال المميت بين حركتي فتح وحماس إلى المزيد من الضحايا إلى أن تم التوصل إلى هدنة بوساطة المملكة العربية السعودية. ووقع قادة حركتي فتح وحماس في اجتماع عقد في مكة في شباط (فبراير) 2007 على اتفاقية لوقف المواجهات وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع بقاء إسماعيل هنية رئيساً للوزراء. وقُدمت هذه الاتفاقية للمجلس التشريعي الفلسطيني إلا أن موجات العنف اشتعلت مرة أخرى وتضمنت العشرات من المعارك في الشوارع والاستيلاء على الأملاك. استطاعت حركة حماس التفوق في ما يسمى "بمعركة غزة" في حزيران (يونيو) وتأمين سيطرتها على القطاع. وفي عقب ذلك قام الرئيس محمود عباس بحلّ حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة "مؤقتة" تحت قيادة رئيس الوزراء سلام فياض الذي اقتصرت صلاحيته على الضفة الغربية دون أي دور أو سلطة بما يخص قطاع غزة.
اكتملت عزلة القطاع بعد سيطرة حركة حماس عليه بسبب وسائل الحصار المختلفة فقد قامت إسرائيل بإغلاق المنطقة كلياً بدعم من الولايات المتحدة حيث لم يتم السماح للناس والبضائع بدخول وخروج قطاع غزة إلا نادراً. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية منطقة قطاع غزة بأكملها "كياناً معادياً" مشيرة إلى المخاطر التي يطرحها حكم حركة حماس وهجمات الصواريخ الفلسطينية المستمرة في أيلول (سبتمبر) 2007. وتلا ذلك المزيد من القيود على غزة منها إغلاق المعابر الحدودية، وتوزيع موارد الطاقة وشحنات الوقود، ومراقبة متزايدة للتمويل، وقطع زيارات الأسرى، والسماح بدخول المواد الغذائية والأدوية الأساسية فقط إلى قطاع غزة.
استمرت الاشتباكات المتقطعة بين إسرائيل وحركة حماس حتى بدايات العام 2008 وبلغت ذروتها عند إطلاق عملية عسكرية إسرائيلية أخرى في قطاع غزة ("عملية الشتاء الساخن") من أواخر شباط (فبراير) إلى بدايات آذار (مارس) مما أدى إلى مقتل 120 فلسطيني أكثر من نصفهم لم يكن لهم أي علاقة بالاقتتال بالإضافة إلى مقتل 20 طفلاً. وشهدت الأشهر التالية انخفاضاً في حدة العنف ووافقت كل من حركة حماس وإسرائيل على خطة وقف إطلاق للنار بوساطة مصرية مدتها ستة أشهر. واستؤنف القتال بعد انتهاء مدة الهدنة وفي 27 كانون أول (ديسمبر) أطلقت إسرائيل عملية "الرصاص المصبوب" المدمرة والتي تضمنت "عدواناً عسكرياً شاملاً على حماس في قطاع غزة" والتي انتهت بوقف إطلاق نار ثنائي الجانب بعد ثلاثة َ أسابيع . العدوان الذي كانت إسرائيل تحضر له منذ ستة أشهر قتل ما يقارب 1,400 فلسطيني و13 إسرائيلي. وكان حوالي ثلثي الضحايا الفلسطينيين من المدنيين وبينهم 300 طفل. أدان المجتمع الدولي عملية "الرصاص المصبوب" بشكل واسع حيث استنتجت لجنة تقصي الحقائق حول الصراع في غزة التابعة للأمم المتحدة بأن العملية الإسرائيلية "تقوم على سياسة متعمدة من قوة عسكرية مفرطة والتي لا تستهدف العدو بل "البنية التحتية المساندة" و]التي[ تبدو أنها تشير بالممارسة العملية […] إلى السكان المدنيين."
أدى كل من الحصار على غزة والعمليات العسكرية الإسرائيلية فيها بين العامين 2006 و2009 إلى تفاقم ظروف المعيشة السيئة في القطاع بشكل كبير مما خلق أزمة اقتصادية وإنسانية كبيرة. وأدت القيود المعيقة التي فرضها الجيش الإسرائيلي على الصادرات والواردات وتدفق الأموال والوصول إلى الأرض والبحر بالإضافة إلى تدمير البيوت والمصانع والبنية التحتية إلى خسارة أكثر من مئة ألف مواطن فلسطيني وظائفهم وأدت إلى انعدام أمن الغذاء بشكل متزايد وتدهور كبير في وضع الماء والبنية التحتية للصرف الصحي بالإضافة إلى تدهور نظامي الصحة والتعليم في قطاع غزة.