خطة يغيئال ألون، حزيران 1967
Map Details
مع نهاية حرب 1967، وجدت "حكومة الوحدة" الإسرائيلية وواضعوا استراتيجيتها العسكرية أنفسهم في وضع يستدعي رسم رؤية وتحديد منهج لسيطرتهم على المساحات الضخمة التي احتلوها. بادئ ذي بدء، تناول هذا المنهج شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية، اللتين قد يتم الانسحاب منهما مقابل معاهدات سلام مع مصر وسوريا. وخلافاً للإجماع الدولي، لم تعترف إسرائيل بالحقوق العربية (الأردنية والمصرية) في الضفة الغربية وقطاع غزة، مدعيةً بأنها قامت "بتحرير" هاتين المنطقتين من "احتلال غير شرعي". لكن العامل الديموغرافي المترتب على استيعاب السكان الفلسطينيين الأصليين في الدولة اليهودية حال دون قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية وقطاع غزة مباشرة إلى إسرائيل.
خلافاً لذلك، اعتبرت إسرائيل أنه من غير الممكن العودة عن احتلالها للقدس، وقامت الكنيست الإسرائيلي في 28 حزيران بتعديل القوانين ووضع المدينة بكاملها مع توسيع الحدود البلدية تحت السيادة الإسرائيلية، حيث قامت فيما بعد بضم المنطقة البالغة مساحتها 70 كم2 إليها. هنا فقط كانت المشكلة الديموغرافية ثمناً يستحق أن يدفع؛ وذلك على الرغم من أن السياسات الإسرائيلية اللاحقة سعت لإفراغ القدس من مواطنيها الفلسطينيين (راجع الخرائط رقم 50، 51، 56 و61).
شهدت الأيام التي تلت الاحتلال الإسرائيلي موجة من الخطط المحمومة والمتضاربة حول مستقبل الأرض المحتلة، حيث أعدت خطط منفصلة لكل من المناطق التالية: القدس، والجولان، وسيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية. رغم أنه لم يتم اعتماد خطة واحدة على المستوى الرسمي، إلا أن خطة الوزير العمالي يغيئال ألون التي عرضها على حزب العمل، كانت أكثر الخطط قبولاً للعسكريين وكانت أول خطة طرحت على مجلس الوزراء – في أواخر تموز 1967، أي بعد حوالي ستة أسابيع من التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وخلافاً لهدف الحكومة القديم القاضي بالحفاظ على خياراتها الإقليمية في سيناء والجولان، ركزت خطة يغيئال ألون بشكل أولي على الأرض الفلسطينية المحتلة. وقد تطورت الخطة وتوسعت انسجاماً مع مختلف آراء ومستويات تأثير شخصيات أخرى في مجلس الوزراء، وبقيت هذه الخطة مشروع نموذجي شامل وفضفاض لمنهج السيطرة على الأرض أخذته بعين الاعتبار جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طوال عقد أو أكثر من الزمن تقريباً.
فور قرار إسرائيل بإبقاء السيطرة على الأرض الفلسطينية المحتلة، بدأت في عملية منظمة لإقامة مستوطنات مدنية ومواقع عسكرية على تلك الأراضي كوسيلة لإحكام قبضة السيطرة الإسرائيلية عليها. وقد وفرت خطة يغيئال ألون الحدود والأولويات للشروع في الاستيطان. وقد خطط ألون، ومساعده داني أجمون، لإقامة ممر واسع من المواقع شبه العسكرية والمدنية على طول نهر الأردن، بحيث يمتد حتى الشاطئ الغربي من البحر الميت، ضمن حزام أكثر اتساعاً، ليصل حتى مدينة الخليل. وقد أدى ذلك إلى قيام قطاع من المستوطنات يمتد من بلدة عراد الإسرائيلية (في شمال شرق النقب)، الواقعة شمال مدينة بيسان في جنوب منطقة الجليل. كما تم تنفيذ توسيع كبير للممر الاستيطاني بين السهل الساحلي ومدينة القدس، التي ضمتها إسرائيل لها بشكل أحادي، وأدى إلى قيام منطقة استيطانية عريضة بين رام الله وبيت لحم. كما تضمنت خطة ألون مبدئياً مخططات تتعلق بلاجئي قطاع غزة، والذين يشكلون 75% من سكان القطاع، بحيث يتم ترحيلهم إلى الكنتونيْن الخاضعين للإدارة العسكرية في الضفة الغربية، بحيث يلي ذلك ضم قطاع غزة إلى إسرائيل وتكثيف الاستيطان فيها. إلا أن ذلك لم يحدث أبداً.
ولما كانت خطة ألون غير رسمية وغامضة من حيث صياغة كلماتها، فقد جَسَرَتْ الهوة بين حاجة الحكومة للظهور بمظهر الاعتدال أمام المجتمع الدولي ورغبتها في الحفاظ على خيار "توسيع" الحدود الاستيطانية في المستقبل. وفي حقيقة الأمر، قدم ألون ملحقاً للخطة يتعلق بتكثيف الاستيطان في الجولان؛ وذلك بعد أسابيع من عرضه للخطة الأولية. وبعد عدة شهور، أجرى ألون تعديلاً على الخطة يقضي بإضافة ممر يربط رام الله مع منطقة وادي الأردن وطريق سريع" تربط "الكنتونات" الفلسطينية في شمال جنوب بيت لحم مع رام الله. في غضون ذلك، لقد دمج الخطة المقترحة المنفصلة التي قدمها وزير الدفاع موشيه ديان، والقاضي بإقامة منشآت عسكرية على الأخاديد الجبلية ضمن منطقة "الكنتونات" الفلسطينية. ومع حلول عام 1971، كانت المستوطنات تشيد أيضاً في شبه جزيرة سيناء، بينما كانت خطة ألون تتوسع بشكل أكبر.
في عام 1976، اتخذ رئيس الوزراء اسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس قراراً بكسر "الخطوط " الاستيطانية لخطة ألون وتوجيه الاستيطان نحو أعماق "الكنتون" الشمالي (أي في مناطق رام الله، وسلفيت، وقلقيلية) حين ذاك، جعل بروز هيئات استيطانية عقائدية والانتشار الكثيف للاستيطان غير المرخص في مختلف أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة للالتزام بخطة ألون عبئاً عسكرياً، إن لم يكن مستحيلاً. وحدا هذا الوضع باسحق رابين إلى الابتعاد عن خطة ألون، لكن مبادئها طرحت جانباً مع انتصار الليكود في انتخاب عام 1977. جاء الليكود إلى الحكم ببرنامج استيطاني ناقد بشدة لقيود خطة ألون، وتعهد بتقديم دعم للشروع الفوري في برامج استيطانية غير محدودة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعين رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وزير الزراعة أرئيل شارون رئيساً للجنة ألون الاستيطانية.