مبادرة جنيف لعام 2003
Map Details
في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2003، وبعد أشهر فقط من إعلان فشل "خريطة الطريق" للسلام من قبل مسئولين إسرائيليين وفلسطينيين على حد سواء، تم الإعلان عن مجهود مستقل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأطلق عليه مبادرة جنيف، أو اتفاق جنيف. ، وكانت محاولة سياسية للجمع بين الأفكار الواردة في خريطة الطريق، ومقترحات كلينتون لعام 2000، ومحادثات طابا لعام 2001، وخطاب الرئيس بوش في حزيران (يونيو) من عام 2002، في مبادرة سياسية أعلن عنها وحملت اسم "جنيف" لعام 2003 وطرحت نموذجاً لاتفاق الوضع الدائم الذي تم التفاوض عليه بين مفاوضي الجولات السابقة في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. قدم كل من يوسي بيلين، وزير العدل الإسرائيلي السابق وياسر عبد ربه، أمين عام منظمة التحرير الفلسطينية مشروع "حلول قابلة للتحقيق بشأن كافة القضايا [و] خطة مفصلة للسلام الإسرائيلي الفلسطيني." ، في الواقع تضمنت مبادرة جنيف انعكاس للنهج المرحلي في حل النزاع الذي كان قد فشل في السابق، كما حصل في مفاوضات أوسلو على سبيل المثال وفي خارطة الطريق لعام 2003. وبالتالي، بدلا من مناقشة الترتيبات الانتقالية في غياب هدف نهائي مقبول للطرفين، ووافق المفاوضون المشاركين في مبادرة جنيف "على التفاصيل الأساسية للمشروع النهائي وهي (السيادة المتبادلة، والحدود المرسومة) وبعدها بدأت في البحث عن آليات لتنفيذها."
إن "مبادرة جنيف" التي جاءت بمقترحات شبيهة لما طرحه الرئيس كلينتون من حيث اشتراطها تبادل الاعتراف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في إقامة دولتين منفصلتين، وإزالة المستوطنات اليهودية، وإيجاد حل شامل لمشكلة اللاجئين، ونزع سلاح الجماعات المسلحة في الدولة الفلسطينية. وتدعو مبادرة جنيف إلى قيام دولة فلسطينية على 97٪ من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة مع تبادل الأراضي بنسبة واحد إلى واحد من أجل التعويض عن ضم بعض الكتل الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية. وينص الاتفاق على أن الحدود المتوقعة لا بد من الاعتراف بها من قبل الطرفين على أنها "الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها بينهما". ومن أجل ضمان التواصل الجغرافي للأراضي الفلسطينية، سيكون هناك 'ممر آمن' يربط الضفة الغربية وقطاع غزة. وسيكون هذا الممر تحت السيادة الإسرائيلية والإدارة الفلسطينية ولكنه سيكون مفتوحاً بشكل دائم. ووفقاً لصائغي مبادرة جنيف، سيتم تقدير العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسموح لهم بدخول إسرائيل من قبل السيادية الإسرائيلية. وعليه، في مقابل عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967 سيتوجب على الفلسطينيين التخلي عن "حقهم في العودة" بحكم الأمر الواقع. وبالرغم من أن إحدى بنود مقترحات كلينتون قد نصت على أن "إسرائيل على الاستعداد للاعتراف بالمعاناة المعنوية والمادية التي لحقت بالشعب الفلسطيني نتيجة حرب عام 1948" ، فإن وثيقة جنيف لا تركِّز على المسؤولية عن أزمة اللاجئين. سيتم تقسيم القدس التي ستكون عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين بحيث تملك كل دولة السيادة على الأحياء التي يقطنها المجتمع الخاصة بها. وبالتالي، سيكون لدى الفلسطينيين السيادة الكاملة مع حرية وصول اليهود إلى الحرم الشريف الذي يعد من أقدس الأماكن للمسلمين، والذي يضم المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
على الرغم من أن مبادرة جنيف كانت نتاج جهود سرية شبه رسمية ، فإنها لاقت اهتماماً دولياً واسعاً وتمت المصادقة عليها من قبل العديد من الشخصيات البارزة مثل كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، و جيمي كارتر وبيل كلينتون، الرئيسين الأميركيين السابقين وكذلك القائد الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا الراحل ، الحائز على جائزة نوبل للسلام ورئيس جنوب أفريقيا السابق. وعلاوة على ذلك أصدر 58 من الرؤساء السابقين، ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية وقادة آخرين بيانا مشتركا أعربوا فيه عن دعمهم القوي لمبادرة جنيف. كان من بين الموقعين ميخائيل غورباتشوف، الرئيس السوفيتي السابق، وبطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وجاك ديلور، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية ، وأوسكار أرياس سانشيز، الحائز على جائزة نوبل للسلام ورئيس كوستاريكا السابق، ودي كليرك الحائز على جائزة نوبل للسلام ورئيس جنوب أفريقيا السابق. رحبت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط أيضا بالخطة على الرغم من أنها لم تؤيد محتوياتها المحددة.
أما بخصوص الأطراف المباشرة للصراع، فقد قوبلت المبادرة برفض واستياء شديد من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الذي وصف هذه المبادرة بأنها مؤامرة ضد حكومته . ووصف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اتفاقية جنيف منذ البداية بأنها "مبادرة شجاعة تفتح الباب للأمل"، بيد أنه في نهاية المطاف لم يصادق عليها رسميا. أما بخصوص الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني، فيبدو أن هناك "قدرا كبيرا من الاختلاف في الرأي داخل كلا المجتمعين وأيضا قدرا كبيرا من الجهل بشأن تفاصيل الاتفاق." بالنسبة للفلسطينيين، كانت النقطة الأكثر إثارة للجدل في الاتفاقية هي السيادة الإسرائيلية على قضية اللاجئين، في حين كانت الانتقادات الإسرائيلية تدور حول السيطرة الفلسطينية المقترحة على الحرم الشريف. ومع ذلك، قد يكون أكبر خطأ في اتفاق جنيف غير احتوائه على أحكام غير مقبولة، هو أن بعض بنوده من الممكن أن تكون غير قابلة للتطبيق. هذا هو الحال خاصة فيما يتعلق بنظام الحدود المقترحة للقدس، والتي تتجاهل حقيقة أن القدس تعد بمثابة " مركز حياة للناس، [...] ولا يزال عدد سكانها في ارتفاع."
بالرغم من أن مبادرة جنيف لم تتلق الدعم الرسمي من المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن أجزاء من مشروع اتفاق الوضع الدائم تضمنت بعض أفكارها في عملية المفاوضات التي يقودها جون كيري، وزير خارجية أمريكا.