القدس بعد حرب 1967
Map Details
خضع الانتداب البريطاني لفلسطين، وكان مقره القدس، لشروط معاهدة فرساي لعام 1919، وبذلك وضعت فلسطين، من النواحي القانونية، محمية خاضعة للوصاية" تحت الانتداب البريطاني أكثر من كونها منطقة ذات سيادة خاضعة لاحتلال حربي. لذلك، ومع الاحتلال الإسرائيلي الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران 1967، أصبحت القدس الشرقية تخضع فعلياً لاحتلال أجنبي حربي للمرة الأولى منذ عهد الممالك الصليبية في القرن الثاني عشر. وأدت القرارات اللاحقة للكنيست الإسرائيلي بتوسيع حدود بلدية المدينة المحتلة ومن ثم ضمها للسيادة الإسرائيلية إلى إحداث تغييرات حادة في المدينة، والقرى المحيطة بها والواقعة خارجها في الضفة الغربية.
تركت التجاوزات الفورية الإسرائيلية في البلدة القديمة المحتلة آلاف الفلسطينيين بلا مأوى، وجميع الأماكن التاريخية مهدمة والأماكن الدينية مغلقة بالقوة، الأمر الذي دفع قادة العالم والشخصيات الدينية إلى الحديث برعب. وفي الوقت ذاته، شكلت الكنيست الإسرائيلي لجنة لإعادة رسم حدود بلدية المدينة. هذه العملية التي تم تنفيذها تحت إشراف الجنرال رحفعام زئيفي، والذي أصبح لاحقاً من أشد المؤيدين لطرد كل من هو غير يهودي من إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، استندت لجنته إلى أمرين رئيسيين. من ناحية، سعى الاستراتيجيون العسكريون لتوسيع حدود المدينة للسيطرة على الأودية، والطرق وقمم التلال التي تشكل النقاط الدفاعية من الشرق والشمال، وضم مطار قلنديا من الجهة الشمالية. ومن الناحية الأخرى، حرمت الحصرية العرقية التي تعتمد عليها الدولة اليهودية ضم عدد كبير من غير اليهود ضمن هذه المنطقة. لقد سابقت إسرائيل الزمن لإعادة ترسيم حدود المدينة وتغيير طبيعتها الديموغرافية القائمة منذ زمن طويل لخوفها من قيام المجتمع الدولي بحماية المدينة والأماكن المقدسة، الأمر الذي قد يوقف الخطط الإسرائيلية في مرحلة تثبت فيها الحقائق الديموغرافية زيف الادعاءات الإسرائيلية بشأن المدينة.
في 28 حزيران 1967، قام الكنيست الإسرائيلي بتعديل "القانون الأساسي" بشأن القدس لعام 1950، والذي أعلن المدينة عاصمة لدولة إسرائيل، ووسع حدودها إلى 70 كم2، وجرى تحديد المنطقة التي جرى توسيعها من قبل لجنة زئيفي ودمجها مع منطقة القدس الغربية التي تبلغ مساحتها 38 كم مربع، لتصبح مساحة بلدية القدس 108 كم مربع. وفي اليوم التالي، أقدمت إسرائيل على "إلغاء" بلدية القدس العربية. لقد استثنت حدود القدس بحذر القرى والأحياء القائمة والمشمولة في خطة كندل للقدس الشرقية لعام 1966، بينما ضمت فقط أراضي 28 قرية، بالإضافة إلى مساحات واسعة تابعة لبلديات بيت لحم ورام الله. وبتحديد عدد السكان غير اليهود في المنطقة في الوقت الذي جرى فيه مصادرة أرضهم، تمكنت إسرائيل من خلق قدس شرقية تزيد 1.000% على المنطقة التي سبقت الاحتلال، وزيادة عدد سكانها من غير اليهود بأقل من 50%
بعد التوسيع، أجرت إسرائيل تعداداً سكانياً، وصل بموجبه عدد الفلسطينيين الموجودين ضمن المنطقة الجديدة في ذلك الوقت إلى 66.000 نسمة فقط، واستثنى هذا التعداد بشكل تعسفي نحو 27.000 فلسطيني ممن نزحوا أثناء الحرب وينتظرون فرصتهم للعودة إلى بيوتهم أو كانوا يعيشون أصلاً في الخارج وقت التعداد. لقد تم اعتبار التعداد على أنه إجراء التسجيل الوحيد الذي أتيح للسكان غير اليهود وترك الغائبين في حينه، وكذلك أزواج وأطفال المقدسين، يعتمدون على إجراء "لم شمل العائلة" الذي استخدمته وزارة الداخلية الإسرائيلية في التسجيل. يشار إلى أن بطاقات الهوية التي صدرت لفلسطينيي القدس عرفتهم على أنهم مقيمين في المدينة، وليسوا مواطنين في الدولة، وبذلك صنفتهم على أنهم "أجانب" داخل مدينتهم وحرمتهم من الحريات المدنية الأساسية التي يتمتع بها المواطنون اليهود في المدينة، بما في ذلك المستوطنون الذين يقطنون المشاريع الجديدة التي يجرى إقامتها على أراضيهم المصادرة.
بعد إقرار الكنيست لحدود القدس الموسعة، بدأت عملية مصادرة الأراضي والتخطيط للاستيطان في الجزء الشرقي، حيث سعت إسرائيل إلى تهويد كامل المدينة بشكل فعلي، ودفعت غير اليهود للهجرة إلى مناطق الضفة الغربية الخاضعة للإدارة العسكرية من خلال فرض قيود قاسية على حركة الفلسطينيين، وعلى البناء والتجارة . وخلال السنوات الثلاث التي تلتت الاحتلال، تم مصادرة ما يزيد على 18.000 دونم من أراضي الفلسطينيين لغرض إقامة مستوطنات حول المدينة. وعندما تم تأسيس لجنة التوجيه الوطني الفلسطينية المؤقتة في شهر آب 1967، بهدف تنظيم الحياة المدنية الفلسطينية في المدينة بشكل مستقل وخاصة المحكمة الشرعية والأوقاف الإسلامية، قامت إسرائيل بنفي رئيسها الشيخ عبد الحميد السائح ومعظم أعضائها، في محاولة "لاحتواء إسرائيل" للمجتمع المدني الفلسطيني دون مرجعية وطنية، مما أنذر بوجود سياسة إسرائيلية مبرمجة تهدف إلى القضاء على تطور الحياة المدنية والسياسية الفلسطينية في المدينة.
وعلى الرغم من أن الإجراءات الإسرائيلية وما رافقها من تشريعات قد خلقت ضم فعلي لمدينة القدس الموسعة مباشرة، فقد بقي الحال على ذلك حتى شهر تموز 1980، عندما قامت الكنيست بتقنين هذا الوضع، وذلك من خلال إقرار تعديل آخر على القانون الأساسي بشأن القدس يعلن عن كامل المنطقة الموسعة بشكل غير قانوني ومن جانب واحد عاصمة للدولة العبرية "أبدية وغير قابلة للتقسيم". لقد تم اعتبار هذا الإجراء الإسرائيلي خرقاً فاضحاً لمعاهدة جنيف ولاهاي، وتجاهلاً صريحاً للعديد من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة التي طلبت من إسرائيل وقف وإعادة النظر في سياساتها العنصرية في المدينة، وتم شجب خطوة الضم التي أقدمت عليها إسرائيل عام 1980 من قبل مجلس الأمن الدولي مباشرة، وتبنى قرار يعلن أن "جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، والتي غيرت أو أدت إلى تغيير طبيعة ووضع مدينة القدس المقدسة، وعلى وجه التحديد، "القانون الأساسي" الأخير حول القدس، لاغية وباطلة ويجب إلغاؤها فورا".