المياه الجوفية
Map Details
يعتمد الفلسطينيون إلى حد كبير على المياه الجوفية في ظل تقييد حقوقهم وقدرتهم على استغلال المياه السطحية لحوض نهر الأردن . يوجد ثمانية أحواض للمياه الجوفية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وتقع أربعة منها ضمن "المناطق الإسرائيلية" (طبريا وغربي الجليل والكرمل وأحواض النقب) أما الأربعة الأخرى وتقع بشكل كلي أو جزئي في مناطق الضفة الغربية (الأحواض الشمالية – الشرقية والشرقية والغربية) وفي قطاع غزة (الحوض الساحلي). تقدر كمية المياه التي توفرها الأحواض الثمانية مجتمعة ما يقارب 2,989 مليون متر مكعب سنوياً يأتي منها 1,454 مليون متر مكعب سنوياُ من المياه الجوفية و1,320 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر الأردن السطحية و215 مليون متر مكعب سنوياً من مياه الأمطار، حيث تستغل إسرائيل من هذه المصادر 89.5% بينما يتشارك الفلسطينيون 10.5% فقط (271 مليون متر مكعب) المياه الجوفية هي المصدر الوحيد لسد حاجة الفلسطينيين من الماء. تسيطر إسرائيل على جميع أحواض المياه الجوفية في البلاد حيث تُشارك الفلسطينيين اثنان من أهم هذه الأحواض: الحوضين الشمالي الشرقي والغربي بالرغم من أن 83% من أماكن تجدد مياه الأمطار السنوية لهذين الحوضين بالإضافة إلى الحوض الشرقي تقع بشكل كلي ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويستخدم الفلسطينيون 15% من مياه الأحواض الجوفية فقط بينما يستخدم الإسرائيليون ومن ضمنهم المستوطنون ما تبقى بنسبة 85%.
يعتبر قسم غزة من حوض المياه الساحلي الأكبر والمصدر الوحيد للمياه في قطاع غزة، ويستخدم القطاع ما يقارب 18% من مياه هذا الحوض بينما تستخدم إسرائيل ما تبقى بنسبة 82% من مياهه. تم تخفيض العائد السنوي الآمن لقسم غزة من حوض المياه الساحلي بمقدار 55 مليون متر مكعب بعد أن حالت الخطط الإسرائيلية دون تدفق مياه الأمطار القادمة من وادي غزة والذي كان يتدفق من الجهة الغربية لمدينة الخليل. بالإضافة إلى ذلك أدى الإفراط الإسرائيلي في ضخ المياه من حوض المياه الجوفية الساحلي لمناطق أبعد من غزة واستهلاك 10 مليون متر مكعب سنوياً من المياه المخصصة للمستوطنين قبل تنفيذ خطة "الانسحاب" الإسرائيلية عام 2005 إلى خلق مشكلة حادة في نوعية المياه. من العام 2014 يقدر بأن نسبة 5% فقط من مياه حوض المياه الجوفية الساحلي صالحة للاستهلاك البشري وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، وتُقدر الأمم المتحدة استنفاذ المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة بعد 15 عاماً بسبب استخراج المياه من حوض غزة بكميات أكبر من طاقته. ومن المتعارف عليه بشكل واسع أن حوض المياه الجوفية في غزة قد وصل إلى نقطة اللاعودة حيث يحتاج إلى عملية إعادة تجديد قبل أن يُستخدم كمصدر مستدام مرة أخرى.
لقد تم توجيه سياسة الاستيطان الإسرائيلية منذ البداية بهدف تأمين السيطرة على المناطق الغنية بالأحواض المائية لذلك تتوافق خطط الاستيطان الرئيسية للحكومات الإسرائيلية السابقة والحالية في العديد من النواحي مع خرائط الأحواض الجبلية في الضفة الغربية. عند توقيع اتفاقية المرحلة الانتقالية عام 1995 (أوسلو 2)، تمت ترجمة "واقعية وعملية" لخطط الاستيطان هذه من خلال تقسيمات جغرافية تصنف مناطق السيطرة إلى (أ ،ب ،ج) مع قيام إسرائيل بتكثيف أعمال بناء المستوطنات السكانية على طول الحوض الغربي، والمستوطنات الأمامية فوق الحوض الشمالي الشرقي ومستوطناتها الزراعية في غور الأردن، حيث حققت كل من هذه الكتل الاستيطانية سيطرة على المياه الجوفية للضفة الغربية ومناطق إعادة تغذيتها. وشكلت المادة 40 من اتفاقية (أوسلو 2) الاتفاق الأساسي الوحيد حول استخدام المياه الجوفية، لكنه عالج الأمر من باب تخصيص حصة فورية مؤقتة، وليس من باب السيطرة طويلة الأمد العادلة والمشتركة على تدفق المياه. ونصت هذه الاتفاقية على تخصيص كمية مياه للاستهلاك المحلي الفلسطيني في الضفة الغربية بما يعادل 1\6 سدس ما يستهلكه المستوطن سنوياً في الضفة الغربية، في حين أن نسبة المياه المخصصة للفلسطينيين في غزة تقل ب 30 مرة من تلك الكمية المخصصة للمستوطنين الذين يقيمون هناك. يستخدم الفلسطينيون حالياً ما لا يزيد عن 10% من مصادر المياه المشتركة بينما تستغل إسرائيل ما تبقى منها.
تجدر الإشارة إن الخطط الإستراتيجية التي جرى إعدادها في إسرائيل حول ترتيبات الوضع القائم وتم بحثها خلال حقبة اوسلو، تنص في مقدمتها على انه "يجب على إسرائيل أن تحتفظ بسيطرة حصرية على مناطق ضخ المياه"، وأنه "لن يُسمح للفلسطينيين بإجراء أي عمليات حفر إضافية ...". تسعى إسرائيل إلى تشريع اعتمادها على موارد المياه الجوفية الفلسطينية المصادرة من خلال المحافظة على الوضع الحالي الذي يتسم بعدم الشرعية وعدم العدالة ضمن إطار معاهدة مع الفلسطينيين بينما يُحرم حوالي 60,000 فلسطيني يعيشون في مناطق ج من المياه الجارية حيث يدفعون مبالغ طائلة – ما يعادل سدس دخلهم – من أجل إحضار شاحنات المياه والتي بدورها تحتاج إلى تصاريح خاصة من السلطات الإسرائيلية. وعلاوة على ذلك فإن جدار الفصل العنصري والمستوطنات الإسرائيلية يحرمان الفلسطينيين من حقوقهم في الماء، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في مناطق مستوطنة إريئل و"أصابع" مستوطنة كوديميم بالقرب من قلقيلية والتي تمتد 22 كيلومتر شمالي الضفة الغربية حيث تغطي 2.2% من الضفة الغربية المحتلة وبعضاً من أهم مصادر المياه فيها. يعزل جدار الفصل العنصري 28 من آبار المياه الجوفية في الضفة الغربية بالإضافة إلى 17 نبعاً مما أدى إلى الاستيلاء التلقائي على الآبار الزراعية في الضفة الغربية. وتجلى الضرر الذي سببته سرقة المياه الجوفية الفلسطينية على القطاع الزراعي الفلسطيني الذي كان مزدهراً يوماً ما من خلال الانخفاض في نسبة إسهام قطاع الزراعة في الاقتصاد الفلسطيني حيث انخفض معدل إسهامه من 24% في عام 1966 إلى 4.8% في عام 2013. إن السيطرة على موارد المياه تعني بأن تتمتع المزارع الصناعية والمروية الكبيرة في إسرائيل بالفوائد الاقتصادية التي يوفرها التنوع في المحصول والحصة النسبية الثابتة في الإنتاج، بينما يعتمد قطاع الزراعة الفلسطيني بشكل شبه كامل على مياه الأمطار والإنتاج الموسمي منخفض العوائد والقيمة.
يذكر بأن سرقة إسرائيل لموارد المياه الفلسطينية، السطحية والجوفية، قد جعلت نصيب الفرد الفلسطيني من المياه الأقل على مستوى المنطقة حتى الآن، وذلك على الرغم من وجود كميات كافية وقابلة للتعويض من المياه ذات الجودة العالية، ومع شبكة متهالكة وغير كاملة (تقدر نسبة المفقود من هذه الشبكة بسبب التسريب بحوالي 30%) وملوحة متزايدة، ومستوى مياه متناقص، فإن إمكانية حل المشكلة مستقبلاً من خلال البحث عن مياه جوفية تبقى ضعيفة حتى وإن اتخذت إسرائيل خطوة غير مرجحة بالسماح بذلك.