مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 والمستوطنات الإسرائيلية
Map Details
تبنى المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في 15 تشرين الثاني 1988 قراراً بقبول مبدأ الحل القائم على وجود دولتين لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ومع قيام منظمة التحرير الفلسطينية بتلبية أحد أهم وأقدم الشروط الأمريكية المسبقة للاعتراف بها، اعترفت القيادة الفلسطينية في المنفى بحق إسرائيل في الوجود – في كانون الأول 1988 – وأعلنت عن استنكارها لكافة أشكال الإرهاب، وعن قبولها غير المشروط بقراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338. وبخطوتها هذه، فإن منظمة التحرير الفلسطينية تكون قد "تراجعت" أو "خمدت" الحقوق في المطالبة لحوالي 78% من مساحة فلسطين التاريخية التي تسيطر عليها دولة إسرائيل وهجرت سكانها في حرب 1947 – 1948، وحددت م.ت.ف. مفاوضاتها بنسبة 22% من مساحة فلسطين المتبقية التي تشكل الأرض الفلسطينية المحتلة. من جانبها، أعلنت إدارة رونالد ريغان – التي كانت في طريقها لمغادرة البيت الأبيض الأمريكي – عن استجابة فورية من خلال قيامها بفتح حوار مباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. وبينما بدت الإدارة الأمريكية ترحيبا بالموقف الفلسطيني، إلا أنها كانت منزعجة من تغطية الأخبار اليومية "للضرب الوحشي المبرح الذي يتعرض له صبية فلسطينيين على يد إسرائيليين"، والتي كانت تدرك جيداً أن من شأنه أن يولد تطرفاً إقليمياً. وفي السياق نفسه، وصفت الأمم المتحدة الإجراءات الصارمة التي تتخذها إسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية (1987-1991) بأنها "مدعاة اهتمام شديد للمجتمع الدولي"، وتبع ذلك قيام وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، في أيار 1989 بحثت إسرائيل على "أن تطرح جانباً رؤيتها غير الواقعية لإسرائيل الكبرى ... وتتخلى عن ضم الأراضي، وتوقف الأنشطة الاستيطانية (و) ... أن تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم جيران يستحقون حقوقاً سياسية" .
في سياق مساعيها الرامية لبث الحياة في إطار "الحكم الذاتي" الذي ولد ميتاً في كامب ديفيد، مارست إدارة بوش ضغوطاً غير مسبوقة على الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير إلى السلطة في عام 1988، متعهداً "بعدم إعطاء الأرض مقابل السلام" و "تعزيز الاستيطان، وتوسيعه، وتطويره" لم تكترث حكومته، التي تضمنت عناصر من دعاة الطرد الجماعي لغير اليهود، للضغوط الأمريكية وأثارت غضب وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، الذي علق قائلاً: "خذ هذا الرقم:1414 456 202 (رقم بدالة البيت الأبيض). واتصل بنا عندما تكون جاداً بشأن السلام". في تشرين الأول 1990، أقدمت القوات الإسرائيلية على ارتكاب مذبحة بحق 21 مصلي مسلم في باحة المسجد الأقصى في القدس، حيث لقيت تلك المذبحة استنكاراً عالمياً ومن مجلس الأمن الدولي. ورغم الضغوط المتزايدة، إلا أن إسرائيل رفضت كافة المطالب الأمريكية بالشروع في مباحثات مع ممثلين يختارهم الشعب الفلسطيني بحرية. وبدلاًَ من ذلك، تابعت إسرائيل محاولاتها القمعية والوحشية المتزايدة للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية.
على صعيد آخر، تسببت محاولة منظمة التحرير الفلسطينية لزيادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية من خلال طلبها الربط بين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال العراقي للكويت للفترة 1990 – 1991 في خسارتها للمزايا السياسية التي حققتها واكتسبتها نتيجة الشراسة العدوانية الإسرائيلية. عقب حرب الخليج، تمكنت الولايات المتحدة من الحد من دور منظمة التحرير الفلسطينية في المباحثات المقترحة؛ وزادت بالتالي من ضغوطها على إسرائيل. وتمكنت في نهاية المطاف من حمل إسرائيل على المشاركة في المباحثات بعد أن أكدت لإسحق شامير عدم مشاركة أي ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في المباحثات والتهديد بعدم منح إسرائيل ضمانات قروض أمريكية بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي كانت (إسرائيل) بحاجة لها من أجل استيعاب المهاجرين الروس (الذي تم جزئياً بناء المزيد من المستوطنات).
بدأت مباحثات مدريد للسلام في الشرق الأوسط بتاريخ 30 تشرين الأول 1991 تحت رعاية وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، ومشاركة رمزية سوفيتية في رعاية الحدث. وقد تمثل الأساس الذي استندت إليه تلك المباحثات في قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و 338، وعلى أساس صيغة الأرض مقابل السلام. وفي ظل الإصرار الإسرائيلي المتشدد والخطأ الذي ارتكبته منظمة التحرير الفلسطينية في موقفها من حرب الخليج، كان الوفد الفلسطيني، الذي لم يشارك فيه أعضاء من منظمة التحرير الفلسطينية، مقتصراً أيضاً على غير المقدسيين من المقيمين في الأرض الفلسطينية المحتلة. ترأس الدكتور حيدر عبد الشافي الوفد الفلسطيني، وطالب المؤتمرين ب "وجوب إحلال التبادلية والمعاملة بالمثل محل السيطرة والعدائية من أجل التوصل إلى تسوية حقيقية وتعايش وفقاً للشرعية الدولية."
شهدت مدريد أول مباحثات سلام علنية ورسمية لقادة إسرائيليين وفلسطينيين. وقد قوبلت الرمزية القوية للحدث بدفعة أمريكية "مالية" لقبول إسرائيلي بصيغة الأرض مقابل السلام، ونظمت انطلاقة سلسلة من المباحثات المتعددة والثنائية. إلا أن اسحق شامير أثبت إجحافه بحق الدور التاريخي المناط به وعاد من مدريد ليدشن مستوطنة جديدة في الأرض الفلسطينية المحتلة. ومع تنكر حلفائه اليمينيين له، وبالتالي خسر اسحق شامير انتخابات عام 1992 بينما حاول تبرير حضوره لمؤتمر مدريد، بقوله: " ... لكنت قد استمريت في المباحثات لمدة 10 سنوات، وحتى ذلك الوقت يكون قد استوطن نصف مليون شخص في يهودا والسامرة وغزة (الأرض الفلسطينية المحتلة).
مع حلول عام 1991، كان أكثر من 150 مستوطنة قد أنشأت في مختلف أرجاء الأرض الفلسطينية المحتلة. ومع حظر البناء الفلسطيني في حوالي 68% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت حكومة اسحق رابين القادمة مستعدة لإنفاق 20% من موازنة الإسكان الوطني على المستوطنات. ومن بين 220.000 مستوطن يهودي، كان حوالي 120.000 منهم يعيشون في القدس الشرقية، التي بدء العمل فيها على إنشاء ثلاثة مواقع جديدة في عام 1991 وحده. وبينما كان الوسطاء الأمريكيين يستعدون للعمل على صيغة الأرض مقابل السلام، أسرعت حكومة العمل الجديدة في تنفيذ الحملة الإسرائيلية الرامية إلى خلق حقائق على الأرض. ومع تسلحه بخطة نموذجية شاملة جيدة (الخطة الوطنية النموذجية الشاملة رقم 31)، الرامية إلى إضافة 140.000 مستوطن خلال السنوات الخمسة القادمة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، اسحق رابين: "نحن نسيطر على المنطقة ولن نتحرك قيد أنملة."