إعادة اجتياح الأراضي الفلسطينية، 2001 – 2002
Map Details
مع دخول الانتفاضة الثانية عامها الثاني، أخذت إسرائيل تدفع بشكل متزايد بقوتها العسكرية الهائلة إلى المراكز السكانية الفلسطينية المشتتة عن بعضها بفعل الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تطوقها من مختلف الجوانب. وقد اتخذت إسرائيل سلسلة من الخطوات المنظمة في محاولة منها لتقويض البنى السياسية والاقتصادية الفلسطينية، بما في ذلك: اتباع سياسة الاغتيالات، وتصعيد عمليات اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية، وزيادة وتيرة غاراتها الجوية على البنى التحتية والمناطق السكنية الفلسطينية، والشروع في عدوان دبلوماسي يهدف إلى تقويض القيادة الفلسطينية. وقد حققت شراكة شارون – بيرس نجاحاً في مسعاها الهادف إلى تقويض وعزل القيادة الفلسطينية، خاصةً مع الرفض الأمريكي اللازم حتى لعقد لقاء مع الرئيس عرفات وإحجامها عن المشاركة اللازمة لإنهاء الصراع. وفي الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية الأمريكي لشارون "تحليك بضبط النفس يعطينا الأمل"، أكد شارون للعالم "نحن لا نهدد في هذه الحكومة، وإنما ننفذ". وفي سياق السياسة التي اتبعتها إسرائيل خلال الفترة الممتدة من أيلول 2000 إلى نهاية عام 2001، والتي وصفتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنها "إحدى أفظع انتهاكات حقوق الإنسان التي يمكن للمرء أن يتصورها"، أقدمت إسرائيل على إعدام حوالي 66 شخصية فلسطينية بارزة، بمن فيهم نشطاء سلام، وسياسيين، وشخصيات عامة. ومع حلول منتصف صيف 2002، كانت إسرائيل قد أقدمت على قتل 1.656 فلسطيني وإيقاع حوالي 20.000 إصابة في صفوف الفلسطينيين. تجدر الإشارة إلى أن نسبة القتلى في صفوف عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تقل عن 20%.
بعد مرور 35 سنة على برنامجها الاستيطاني، بلغت مساحة الأراضي التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية المطلقة في الضفة الغربية حوالي 41.9% من مساحتها. ويتضح من مقارنة هذه النسبة بالمساحة الفعلية التي تحتلها المستوطنات مدى خطورة الدور الذي يلعبه البرنامج الاستيطاني في تحديد مصائر السكان الأصليين. وقد جعلت المساحة الخاضعة لسيطرة مجلس المستوطنات الإسرائيلي في الضفة الغربية والبالغة 2.345.900 دونم من المنطقة (أ)، البالغة مساحتها 1.00.800 دونم، مدعاة للسخرية من حيث كونها شكلت ما تمكن الفلسطينيون من تحقيقه بعد أكثر من 54 سنة من النضال. ومع أواسط عام 2002، كانت القوات الإسرائيلية قد أعادت احتلال حتى هذه المنطقة، وتقلصت مساحة المنطقة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، من جملة تلك المتبقية من المناطق التي انتقلت لها السيادة عليها بموجب اتفاقية أوسلو، لتصبح مقتصرة على مناطق غير متواصلة تشكل 60% من مساحة قطاع غزة. وقد وصلت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى شفا الهاوية بفعل سياسات هدم البيوت، وتجريف الأراضي، وردم الآبار، وإغلاق القرى، التي ميزت جميعها رد الفعل الإسرائيلي على الانتفاضة. ومع حلول شباط 2002، كان القطاع الزراعي وحده قد تكبد خلال الانتفاضة أضراراً فاقت 500 مليون دولار أمريكي، حيث تم اقتلاع أكثر من نصف مليون شجرة، وتجريف أكثر من 32.000 دونم من الأراضي الزراعية. كما أدى نشر عشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية في مختلف أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة في بتر خطوط المواصلات الفلسطينية. ومع حلول نيسان 2002، أظهرت الإحصاءات المتوفرة أن 84.6% من سكان الضفة الغربية و 57.8% من سكان قطاع غزة يعيشون دون خط الفقر.
بعد إبلاغها الرئيس الأمريكي بوش بأن "عرفات يشكل بن لادن بالنسبة لها"، قامت الحكومة الإسرائيلية بشن أول عملية إعادة اجتياح شاملة لكافة مناطق السلطة الفلسطينية في شهر آذار. وعلى مدار أربعة أسابيع، احتل الجيش الإسرائيلي كافة قرى ومدن الضفة الغربية، وشرع في عملية تدمير منظمة للبنى التحتية الفلسطينية والمؤسسات والوزارات الفلسطينية. وقد حصد هذا الاعتداء أراوح 500 شخص، وتسبب في إفلاس السلطة الفلسطينية على الصعيدين المادي والسياسي. رد الفعل الإسرائيلي على الإنتفاضة التي اندلعت جرّاء حالة الإحباط والانتهاكات المختلفة التي واكبت عملية السلام المجمدة، كان بمثابة تعبير مطلق عن رفضها منح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير على 22% من مساحة فلسطين التاريخية، تلك المساحة التي تشكل الأراضي الفلسطينية المحتلة حالياً. وتكريساً لهذا الرفض، قامت إسرائيل بإنشاء 40 مستوطنة جديدة في تلك المساحة خلال 12 شهر سبقت الاجتياح.
تمثل رد فعل الإدارة الأمريكية (جورج بوش) على أول عملية إعادة اجتياح واعتداء على السلطة الفلسطينية في الإعلان عن شارون "رجل سلام"، والإعلان في أواخر أيار 2002 عن أن الإدارة الأمريكية لم تعد تعتقد بجدوى الحل المستند إلى دولتين، والذي تم بحثه في مباحثات الوضع الدائم السابقة. بدلاً من ذلك، اقترحت الإدارة الأمريكية أن تقوم إسرائيل "بتقديم نوع من الأفق المستقبلي" للفلسطينيين. سافر رئيس الوزراء شارون إلى واشنطن بعد وقت قصير من صدور هذا الإعلان عن وزارة الخارجية، وعقد اجتماعاً مع الرئيس بوش من أجل إرساء ملامح رؤيته لذلك "المستقبل". وقام بذلك فعلاً، لكن صدى التمادي الإسرائيلي خلال عمليتها العسكرية جاء على شكل سلسلة من الهجمات المسلحة على أهداف إسرائيلية. وانحاز بوش سريعاً إلى جانب شارون، وأعطى – في خطاب ألقاه في أواخر حزيران – الحكومة الإسرائيلية المتشددة ضوءاً أخضراً لتدمير السلطة الفلسطينية نهائياً؛ الأمر الذي شكل مفاجأة حتى لكبار "الصقور" في الحكومة الإسرائيلية. وبدعوته الفلسطينيين إلى "انتخاب" قيادة فلسطينية "مختلفة"، كشرط مسبق لإجراء مباحثات سلام، وبمصادقته على الأعمال التي اقترفتها حكومة شارون – بيرس حتى الآن، فإن خطاب بوش حمل أكثر التعبيرات وضوحاً للدعم الأمريكي لإسرائيل في تدميرها للقيادة الفلسطينية المنتخبة ومؤسساتها. وفي غضون أيام قليلة من خطاب بوش، قامت إسرائيل بإعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل، وشددت الخناق على التجمعات والقرى الفلسطينية، وفرضت حظر تجوال عليها. وتخلل ذلك قيامها باعتقال أعداد غير محددة من الفلسطينيين واحتجازهم دون محاكمة في المعتقل الصحراوي الذي أعادة افتتاحه لهذا الغرض – ذلك المعتقل الذي اكتسب شهرة ذميمة واسعة في الانتفاضة الأولى.
في حزيران 2002، شرعت إسرائيل في تنفيذ سلسلة من "التعديلات الحدودية" على طول الخط الأخضر وحول القدس، بينما أخذت تحيط القرى والبلدات الفلسطينية المحاصرة بحزام أمني من الحواجز العسكرية والأسلاك الشائكة. في أثناء ذلك، استمرت المواقع الاستيطانية في الازدياد والاتساع، واستمر الحظر المفروض على التجمعات الريفية الفلسطينية في حرمان سكانها من الوصول إلى مصدر معيشتهم وتراثهم المتمثل في قطف الزيتون للموسم الثالث على التوالي. وبينما هذا الكتاب في طريقه إلى المطبعة، يتم فرض تغيرات خطيرة وطويلة الأمد على الأرض، والموارد، والقيادة، ومصير أبناء الشعب الفلسطيني. ويتم تنفيذ هذه الأعمال الخطيرة على يد حكومة إسرائيلية يسارية يمينية توحدها أجندة مشتركة لا تمنح السكان الفلسطينيين الأصليين أكثر من احتلال عسكري دائم، واستعمار، واستغلال بتواطؤ دولي ملفت للنظر. تقدم الخريطة المقابلة لمحة بسيطة من عملية تدمير غير متناهية وعزل في كنتونات غير مسبوقة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي؛ وذلك ضمن سياسة هادفة إلى إعادة تحديد مستقبل الصراع.