اتفاقية سايكس – بيكو، 1916
Map Details
أدت الحرب العالمية الأولى إلى قيام تحالف بين روسيا، وبريطانيا وفرنسا ضد حلف للجيوش النمساوية – الهنغارية، والألمانية، والعثمانية، ودخلوا في صراع استمر أربع سنوات وألحق خسائر مذهلة بجميع الأطراف. كما أدت تلك الحرب إلى إعادة رسم جزئية لخريطة أوروبا، وشكلت اندثاراً نهائياً للأمبروطرية العثمانية. وقد شكل تنافس البريطانيين والفرنسيين في تحقيق المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد وتحالفهما ضد العثمانيين أبرز ملامح الخطط البريطانية والفرنسية لمستقبل الشرق الأوسط في فترة ما بعد الحرب. وقد رأى كلا الجانبين في ظهور حركة قومية عربية منظمة فرصةً لألهاب مشاعر القوات المحلية لإطلاق ثورة ناجعة ضد العثمانيين. كما اعتبرا أن قيام تحالف مع القيادة العربية الشرعية ضرورياً للحفاظ على مصالحهما الإقليمية في فترة ما بعد الدولة العثمانية.
شهدت مراسلات الحسين – مكماهون (1915 - 1916) التي جرت بين الحكومة البريطانية، ممثلة بالسير هنري مكماهون، والقائد الهاشمي الشريف حسين بن علي، ومقره في مكة آنذاك، اعترافاً بريطانيا بشرعية الشريف حسين كقائد للشعب العربي. وقد تعهد البريطانيون "بالاعتراف وبدعم استقلال العرب في كافة المناطق التي يطالب بها الشريف حسين..." في المقابل، التزم الشريف حسين بثورة قواته العربية ضد العثمانيين وفقاً للخطط البريطانية جنباً إلى جنب مع قواتها.
لكن، وحتى مع قيام العرب بالإعداد للثورة الموعودة (التي بدأت في حزيران 1916)، كان البريطانيون والفرنسيون يجرون مفاوضات سرية تمخض عنها اتفاقية سايكس – بيكو، ضاربين بكافة تعهداتهم عرض الحائط. سعى البريطانيون، الذين مثلهم المستشرق السير مارك سايكس، إلى بسط سيطرتهم على أرض "جسر" ممتدة من العراق والخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط عبر فلسطين. أما الفرنسيين، الذين مثلهم قنصلهم العام في بيروت شارلز بيكو، فقد عارضوا منح بريطانيا مثل هذا الامتياز القوي في المنطقة دون أن يحققوا لأنفسهم نفوذاً مكافئاً.
قضت صيغة التسوية التي تم التوصل إليها بين المتنافستين، وحظيت بمصادقة حليفتهما المشتركة روسيا، بأن تخضع فلسطين إلى تريبات مشتركة ومناطق نفوذ؛ وبأن يحترم كلا الطرفين الأصول والمصالح الحيوية للطرف الآخر. إلا أنه لم يكتب لهذه الترتيبات أي تطبيق على أرض الواقع. فبعد ستة أشهر من قيام الشريف حسين بقيادة الثورة العربية، والتي أعلن في سياقها استقلال العرب عن الحكم العثماني، سيطرت القوات البريطانية على جنوب فلسطين واستمرت في التقدم نحو القدس. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني ليود جورج " على الفرنسيين أن يقبلوا بحمايتنا عليها؛ سوف نكون هناك بالقوة، وسنبقى هناك" . ومع حلول كانون الأول 1917، سقطت القدس في أيدي البريطانيين، وكان كل من مراسلات الحسين مكماهون واتفاقية سايكس – بيكو في خبر كان.
في غضون ذلك، رفع البريطانيون من وتيرة اتصالاتهم مع القيادة الصهيونية، متعهدين في عام 1917 (وعد بلفور) بدعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. لقد شعر الفلسطينيون بالخيانة جنباً إلى جنب مع الكثيرين في العالم العربي. وقد أصبحت عودة ظهور التنافس السلطوي المر بين فرنسا وبريطانيا في سنوات ما بعد الحرب، والمكاسب التي منحت للحركة الصهيونية تحت السياسة البريطانية، العوامل المحددة للتوترات الإقليمية في الفترة 1918 – 1920. وقد أثر تضارب المصالح البريطانية الفرنسية في البداية على الحركة القومية الفلسطينية الناشئة، والتي كانت فيها الدعوة إلى الاتحاد مع "سوريا الكبرى" (التي خضعت للنفوذ الفرنسي في الفترة 1918 – 1920) أكثر الطرق عملية ووسيلة مباشرة لتحقيق التحرر وإحباط السياسات البريطانية الداعمة للصهيونية. لكن الكثيرين في القيادة الفلسطينية خرجوا من تجربة الخيانة المرة بتشكك كبير في نوايا كل من البريطانيين والفرنسيين. وقد تحققت المخاوف عند دخول القوات الفرنسية لدمشق في عام 1920، وقيامها بطرد القيادة السورية وإخضاع الأمة لحكمها المباشر. ومع وجود الحكم العسكري البريطاني في فلسطين والفرنسي في سوريا، تبخرت الآمال بأن أي من القوتين تنظر إلى استقلال العرب بعين الرضى. وقد دعى المؤتمر العربي الثالث، الذي عقد في حيفا عام 1920، إلى "استقلال فلسطين، وسوريا، ولبنان، كل على حدة"