محادثات طابا، كانون الأول 2001
Map Details
على الرغم من أن موقف أيهود باراك في كامب ديفيد حظي بمباركة أمريكية غير عادية، ونجاح الولايات المتحدة وإسرائيل معاً في إلقاء اللوم على ياسر عرفات بسبب فشل المفاوضات، ظل رئيس الوزراء متحمساً لتحقيق اختراق في اللحظة الأخيرة. وبعد أن فقد الأغلبية في الكنيست ورفض من قبل أغلبية متزايدة من الجمهور الإسرائيلي، بحث باراك في كل مكان عن الدعم. ومع استمرار المحادثات الثنائية (في السر والعلن)، فقد أناط اللثام عن "ثورة علمانية" في تموز، على أمل أن يستقطب الأحزاب اليسارية، في حين أعلن بعد أيام عن خطته لإقامة ائتلاف مع حزب الليكود بزعامة أرئيل شارون. مع ذلك، لم يكتب لأي من هذه الخطط أن ترى النور، وعندما جرى التحقيق مع بنيامين ناتنياهو منافس أرئيل شارون على خلفية تهم بالفساد في شهر أيلول، تحول الصراع السياسي الرئيسي من مواجهة بين أيهود باراك والكنيست إلى صراع على قيادة الليكود، يقوم الفائز فيه بإقصاء رئيس الوزراء العمالي بعد عطلة الكنيست الصيفية.
أقدم أرئيل شارون على استعادة بنيامين ناتنياهو لوضعه السياسي في زيارة تحدي واستفزاز واستعراض قوة إلى الحرم القدسي الشريف، في حركة تهدف إلى تعزيز موقعه كزعيم للأغلبية الإسرائيلية المعارضة للحقوق الفلسطينية في القدس الشرقية وحولها. وناشدت الأوقاف الإسلامية والسلطة الفلسطينية الولايات المتحدة للتدخل وحثت أيهود باراك على منع هذا الاستفزاز السياسي، لكن دون جدوى. وفي 28 أيلول، اقتحم أرئيل شارون ساحة الحرم الشريف في القدس بحراسة حوالي 1.000 شرطي وجندي. واندلعت تظاهرات فلسطينية عارمة حيث قمعت بقوة مفرطة، مما أدى إلى اندلاع أعمال احتجاج وغضب بكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي اليوم التالي، وبعد صلاة الجمعة، اقتحمت القوات الإسرائيلية الحرم القدسي الشريف، حيت قتلت أربع مصلين وجرحت 220 آخرين. وفي الأيام الثلاث التي أعقبت اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف، قتل ما يزيد على ثلاثين فلسطينياً وكانت بداية اندلاع انتفاضة "الأقصى" .
أصدر أيهود براك أوامره إلى الجيش للشروع في هجمات ضد القادة الفلسطينيين (عمليات قتل مستهدفة واغتيالات) وتصعيد عسكري للرد على التظاهرات الفلسطينية وذلك في 20 تشرين الأول، قبل يوم واحد من عودة الكنيست للانعقاد. كان هذا جزء من الصفقة حيث منحه معارضوه "شبكة أمان" لشهر واحد، مع وعد بعدم حل الكنيست، وتلى ذلك مباشرة أول هجوم جوي على أهداف للسلطة الفلسطينية. أدى قلق الولايات المتحدة الأمريكية، ودول المنطقة والاتحاد الأوروبي إلى جمع الطرفين في شرم الشيخ في منتصف شهر تشرين الأول، لكن الاجتماع لم يسفر سوى عن فترة تهدئة للعنف المتصاعد، بالإضافة إلى تشكيل (لجنة ميتشيل) التي أوكل إليها تقصى أسباب الاضطرابات، ولكن في 21 تشرين الثاني، مع قيام الولايات المتحدة الأمريكية باتهام إسرائيل "بالاستخدام المفرط للقوة"، أجّل باراك التعاون مع اللجنة، زاعماً "بأن التوقيت غير مناسب". وعندما انتهت مهلة الشهر التي منحتها الكنيست إلى ايهود باراك في 28 تشرين الثاني، خسر في خمسة اقتراحات لحجب الثقة ودعا لعقد انتخابات. وبعد ذلك، وفي 10 كانون الأول، استقال بصفته رئيساً للوزراء، وحصر المنافسة على منصب رئيس الوزراء مع ارئيل شارون إذ لم يحل الكنيست وبذلك حرم نتانياهو غير العضو في كنيست (غير مؤهل للترشيح قانونياً) من المنافسة.
في أواخر شهر كانون الأول، دعا الرئيس الأمريكي بيل كينتون المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الولايات المتحدة، حيث طرح عليهم "مقترحاته" لاتفاق الوضع الدائم. كانت هذه المقترحات تستند إلى الموقف الإسرائيلي في كامب ديفيد، إلا أنها قلصت نسبة الأراضي التي سيتم ضمها من 10-13% إلى 4-6%، بينما ظل الغموض يكتنف وضع القدس، وتبنت هذه المقترحات الموقف الإسرائيلي الرافض لقبول عودة اللاجئين. قبل كلا الفريقين البنود كأساس للمحادثات والتقى الطرفان في طابا من 21-27 كانون الثاني 2001 للتفاوض، لكن هذه المباحثات قد فشلت. في التوصل الى تسوية لأسباب منها أن رئيس وزراء قد أعلن عن انتخابات وبالتالي فإن مستقبله السياسي أصبح معلقاً، بالإضافة إلى أن السلطة الفلسطينية تتوقع وصول حكومة عسكرية للحكم لتواصل عمليات الاستيطان. وحتى لو نجح الطرفان في التوصل لصيغة اتفاق، فقد كان أيهود براك قد خسر مجلس الوزراء، والكنيست والدعم الجماهيري الذي يحتاجه لقبول الاتفاق. بشكل جوهري، تمثل "أفضل عرض" إسرائيلي جديد بضم كحد أقصى (6%) الواردة ضمن "مقترحات كلينتون". مع إسقاط مطلبها في كامب ديفيد بخصوص سيطرة مرحلية على غور الأردن وممرات في الخليل، وتقليص حجم الكتل التي سيتم ضمها، قدمت إسرائيل خريطة تقضي بإخلاء حوالي 90 مستوطنة. مع ذلك، سوف تبقى معظم المستوطنات، وعلى الرغم من الصيغ الجديدة، سوف يجري ضم وتوسيع القدس الشرقية لتشطر الدولة الفلسطينية. يذكر أن فكرة "مقايضة الأراضي" التي تم طرحها في كامب ديفيد قد جرى تطويرها، حيث عرضت إسرائيل مناطق غير مأهولة في النقب بمحاذاة قطاع غزة وجنوب الضفة الغربية "كتعويض" مقابل المناطق (الأكبر) التي سوف تقوم بضمها.
انتهت المباحثات دون أمل في أي اتفاق فوري، وتحدث الطرفان عن تحقيق تقدم وعبّرا عن رغبتهما في تطوير أفكار طابا بعد الانتخابات الإسرائيلية. وفي 6 شباط 2001، وبعد أن أعلن عن رؤيته بإقامة دولة فلسطينية على ما لا يزيد عن 42-43% من الضفة الغربية، تمكن أرئيل شارون بسهولة من هزيمة براك، الذي هرول إلى إلغاء استقالته وعرض خدماته على رئيس الوزراء الجديد، وتم التخلص منه بانضمام العمالي شمعون بيرس إلى شارون كوزير للخارجية، إلا أن إسراع براك في الانضمام إلى التيار المتشدد المنتصر أكد على شكوك أولئك الذين رأوا بأن إنجازات طابا المستندة إلى كامب ديفيد كانت مدفوعة فقط باعتبارات سياسية داخلية، وعلى هذا النحو فإنها لم تصل إلى حد العرض المقدم بحسن نية.