خطة موريسون – جرادي، 1946
Map Details
خلفت الحرب العالمية الثانية وراءها دماراً على نطاق واسع، لدرجة أنها زعزعت إلى الأبد التحالفات العالمية واستراتيجيات القوى الإقليمية التي سبقت اندلاعها. ومع نهاية هذه الحرب، كان حوالي 60 مليون إنسان قد لقوا حتفهم، ومن بينهم حوالي ستة ملايين يهودي أوروبي. كما أن حوالي 14 مليون "شخص مهجر" قد تشتتوا عبر أرجاء قارة محطمة اقتصادياً.
تم إنقاذ عدد ضئيل من اليهود خلال سنوات الحرب الستة، والتي اتسمت خلالها جهود المساعدة بالتقصير والتأخير والضعف، وأحياناً عديمة الجدوى. ويعود ذلك جزئياً إلى أن أخبار القتل المنظم التي لم تظهر حتى عام 1941، ولم يأخذها الحلفاء واليهود على محمل الجد بشكل كاف حتى عام 1942 لكن الردود حتى بعد أن وصلتهم أخبار )المحرقة(، كانت ضعيفة وحتى ساخرة. في عام 1943، عقد الحلفاء مؤتمراً لبحث القضية، لكن أي من بريطانيا أو الولايات المتحدة لم تقم بفتح أبوابها أمام اللاجئين اليهود. كما أن اليهود أنفسهم فشلوا في أن يضعوا جانباً انقساماتهم الداخلية واهتماماتهم الأيديولوجية في الوقت المناسب لاتخاذ ردود فعل مناسبة.
وصل إلى فلسطين خلال سنوات الحرب حوالي 50.000 لاجئ يهودي، بينما بقي في أوروبا حوالي مليون يهودي مشرد مع نهاية الحرب. وقد اقتضت الكارثة فعلاً فورياً من القوى المنتصرة، بريطانيا والولايات المتحدة، وبقيت محنة اليهود في أوروبا محط أنظار العالم أكثر من أي شيء آخر. واكتفت الولايات المتحدة وبريطانيا بتنفيذ قيود وقوانين الهجرة المعتادة، ولم تعرض أية مبادرة لإعادة توطين اللاجئين اليهود في أوروبا.
شهد ميزان القوى الجديد الذي تعزز في الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الثانية بداية الحرب الباردة. كما أن كل من الولايات المتحدة وبريطانيا شهدتا تغيراً في القيادة السياسية في عام 1945. وفي غضون شهور من استسلام ألمانيا، كان رئيس الوزراء البريطاني الجديد أتلي يسعى لإشراك الولايات المتحدة في القضية الفلسطينية. وفي ظل إدراكه لفشل سلفه في التوصل إلى حل، ووعيه لمدى تزايد التعاطف مع اليهود في أمريكا والمخيمات المزدحمة في أوروبا، رأى أتلي أن تدويل القضية لا يعتبر حتمياً وحسب، وإنما مفضلاً أيضاً. كما أن خطى التدخل الأمريكي (ظاهرياً لصالح اليهود) أخذت تتسارع مع بدأ سباق التأثير الجغرافي – السياسي. كما أن القلق بدء يدب في الولايات المتحدة جرّاء السياسة السوفيتية المناهضة لليهود، وحتمية تعاطفها مع العرب، واحتمال السيطرة السوفيتية على المنطقة الغنية بالنفط.
في تشرين الثاني 1945، تشكلت لجنة التحقيق الأنجلو – أمريكية لدراسة مشكلة اللاجئين اليهود. وبإصرار من الولايات المتحدة الأمريكية، اقتصرت البنود المرجعية لهذه اللجنة على بحث موضوع توطينهم في فلسطين كخيار وحيد. وقد أوصت اللجنة بإصدار مائة ألف شهادة هجرة بشكل فوري، وبإزالة كافة القيود المفروضة على نقل ملكية الأراضي في فلسطين. ولم تتوصل اللجنة إلى حل لقضية السيادة، واقترحت بدلاً من ذلك وصاية دولية طويلة الأمد تحت إشراف الأمم المتحدة.
شعر الفلسطينيون بالخطر المحدق بهم جرّاء تزايد موجات الهجرة اليهودية من أوروبا، واعتبرت بريطانيا خطة الهجرة غير عملية على المدى القريب أو البعيد. وقام نائب رئيس الوزراء البريطاني، هيربرت موريسون، والسفير الأمريكي، هنري جرادي، بإعداد مشروع حل بديل ومعدّل للهجرة. وقد اشتمل المشروع على المطالب اليهودية بإصدار مائة ألف شهادة هجرة فورية واقتراح العمل بمبدأ الوصاية، إلا أنها وضعت تصورا لتقسيم المقاطعات اليهودية والعربية، وتركت المجال مفتوحاً أمام حل سياسي على أساس دولة ثنائية القومية أو تقسيم لفلسطين. لكن الرفض الصهيوني الأمريكي للمشروع شكل فشلاً ونهاية فورية لها، وشكل إصدار الولايات المتحدة لبيانات عامة تنتقد بريطانيا وداعمة لمنظمة الصهيونية العالمية نهاية لمشروع موريسون – جرادي الأنجلو أمريكي!