اعتراف الأمم المتحدة
Map Details
يعود نضال الشعب الفلسطيني من أجل الاستقلال إلى القرن التاسع عشر على الأقل، حيث أصبح العرب الفلسطينيون من رواد الحركة الوطنية العربية التي تنادي بالحرية والاستقلال عن الدولة العثمانية. وخلال سنوات الانتداب البريطاني، كانت المعارضة الفلسطينية ضد الهجرة الصهيونية ووعد بلفور وفرض الانتداب البريطاني بمثابة محفز قوي لتعزيز الوعي الوطني الفلسطيني وتطوير حركة فلسطينية قومية. وبرزت الحركة الوطنية الفلسطينية مجدداً بعد حرب 1948/ النكبة (انظر خريطة 12)، وتشكل على أثرها أحزاب سياسية وحركات مقاومة مختلفة، وأدت كذلك إلى إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 التي غدت مرجعية وطنية وتجسيد للأماني الوطنية في الحرية والاستقلال وجرى الاعتراف بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
ساهم التراجع الشعبي بشعارات القومية العربية عقب حرب الأيام الستة الكارثية التي اندلعت عام 1967 والاحتلال اللاحق للقوات الإسرائيلية للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة (بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية) في قصر معارك المقاومة الوطنية من أجل التحرر على الفلسطينيين. وخلال السبعينيات من القرن العشرين، بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بتطوير بنية تحتية مؤسساتية لدعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية، وبدأت كذلك بالحصول يبطئ على الاعتراف الدولي خلال السبعينيات والثمانيات من القرن العشرين.
وعلى أثر الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 وبداية "الاشتباك التفاوضي" الفلسطيني – الإسرائيلي، أعلن الملك حسين في عام 1988 "قرار فك الارتباط" مع الضفة الغربية باستثناء القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية وتولت منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية قضايا ومواطني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتم الإعلان عن وثيقة "الاستقلال الفلسطيني" وقيام دولة فلسطين المستقلة في تشرين الثاني (نوفمبر) في مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988. وقد كانت بدايات "مفاوضات" أوسلو 1993 التي سجلت اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والاتفاق على مرحلة حكم سياسي ذاتي محدود للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومزيد من الاعتراف الدولي لتطلعاتهم الوطنية.
إن فشل اتفاق أوسلو وقمة كامب دافيد عام 2000 إلى جانب اندلاع الانتفاضة الثانية "الأقصى" في أيلول (سبتمبر) 2000 جعل المجتمع الدولي يدرك حقيقة أن قيام دولة فلسطينية أمر ضروري لتحقيق السلام، إلا أن إسرائيل استمرت في فرض "حقائق على أرض الواقع" للحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية، وأدت هذه الإستراتيجية الإسرائيلية إلى إفساد وإفشال كافة محادثات السلام والمبادرات اللاحقة.
هذا وقد نجحت الجهود الفلسطينية في البناء المؤسساتي الفلسطيني في وضع الأساس لإنشاء دولة على أرض الواقع وأشاد بها المجتمع الدولي، بالإضافة إلى انهيار محادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية المباشرة عام 2010 التي دفعت القيادة الفلسطينية على العمل على خطة بديلة لإقامة الدولة من شأنها تجاوز الجمود الذي تواجهه عملية السلام عن طريق السعي وراء اعتراف جماعي في الأمم المتحدة. وأكد الرئيس محمود عباس في أيار (مايو) 2011 على هذا الهدف وتم إطلاق حملة للحصول على دعم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. انتقدت إسرائيل والولايات المتحدة هذا النهج الفلسطيني الجديد، ونظموا حملة مضادة كان هدفها إقناع أعضاء الأمم المتحدة بعرقلة المحاولة الفلسطينية. ورغم أن أنه أصبح من الواضح أن فلسطين كادت أن تخسر المعركة الدبلوماسية عندما وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن الرئيس محمود عباس قدم في 23 (أيلول) سبتمبر 2011 طلباً رسمياً لقبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة استناداً إلى الحدود التي تم الاتفاق عليها في 4 حزيران (يوليو) 1967، مع القدس عاصمة لها.
وفقاً لقواعد الأمم المتحدة، يحتاج الطلب إلى دعم من مجلس الأمن الدولي قبل أن تصوت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومع ذلك، في حال لم تحصل فلسطين على تأييد تسعة من أعضاء مجلس الأمن على الأقل، فإن الفيتو الأمريكي سيمنع بالتأكيد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ويمكن الاستنتاج من إعلانات وتقارير وسائل الإعلام الرسمية السابقة أن طلب الفلسطينيين كان مدعوماً من قبل ثمانية أعضاء من مجلس الأمن الدولي فحسب. وعليه، اتفقت القيادة الفلسطينية في نهاية المطاف على عدم الذهاب للتصويت في مجلس الأمن الدولي، ووفقا لبعض تيارات المعارضة الفلسطينية فقد فقد الفلسطينيون بذلك فرصة في مواجهة الولايات المتحدة وسياستها المنحازة لإسرائيل. وبعد ذلك، واصلت القيادة الفلسطينية خطواتها الدبلوماسية نحو هدفها، وقررت التقدم بطلب للحصول على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة بعد أن أدركت أن الوقت ينفذ وأن إنجازات البناء المؤسساتي نحو بناء دولة مستقلة يمكن أن يعرقل بسبب استمرار الوضع الراهن.
على الرغم من أن الفكرة الكامنة وراء إستراتيجية القيادة الفلسطينية كان وضع المفاوضين الفلسطينيين على قدم المساواة مع نظرائهم الإسرائيليين خلال المحادثات في المستقبل والسماح لفلسطين بالانضمام إلى المعاهدات والمنظمات الدولية من قبل هذا النموذج المحدود لاعتراف الأمم المتحدة، إلا أن الجمهور الفلسطيني كان متشككاً إلى حد كبير حول نتائج الإستراتيجية الجديدة.
أمَّا بخصوص طلب عام 2011 للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، فتصدت الجهود الأمريكية والإسرائيلية لحملة جماعة الضغط التابعة للسلطة الفلسطينية بطلب حصول دولتهم على صفة دولة غير العضو. ومع ذلك، فقد اكتسب الفلسطينيون زيادة في الدعم الدولي لطلبهم للانضمام للأمم المتحدة، وخاصة بعد أن شنت إسرائيل عدوانها "عملية عمود الدفاع" على قطاع غزة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. وحقق الطلب الفلسطيني نجاحاً عندما تم تقديمه إلى الجمعية العامة للحصول على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، مع الحصول على (138) صوتاً لصالح القرار من قبل أعضاء من الأمم المتحدة ، في حين امتنعت (41) دولة عن التصويت وصوتت (9) دول فقط ضد الطلب. وعليه، وبعد مرور 65 عاما على قرار التقسيم رقم 181 الذي صدر في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 من قبل الأمم المتحدة، فقد اعترف المجتمع الدولي رسميا بفلسطين كدولة - وإن كانت لا تزال دولة تحت الاحتلال ومع أن احتمالات تحقيق استقلالها بعيدة نظراً للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الجاري وخضوع الأراضي والحقوق الفلسطينية للسلطات الإسرائيلية. إن تسجيل المكانة الدولية والدبلوماسية لدولة فلسطين لها قيمة أخلاقية ومعنوية ذات رمزية كبيرة، وستكون كأداة ضغط دولية ضد إسرائيل، ولديها الآن إمكانية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن رفع دعوى للطعن قانونيا باستمرار احتلال إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.