القدس المقسمة، 1948-1967
Map Details
بعد شهرين من دخول الجيش العربي الأردني إلى الجزء الشرقي من المدينة، وتصدت للقوات الإسرائيلية في محاولتها الأخيرة اجتياح البلدة القديمة، وتوقف القتال على طول خط الحدود الأمامي الذي يقسم قلب القدس إلى شطرين. وفي أواخر شهر تشرين الثاني 1948، وقّع الجنرال موشي ديان، قائد القوات الإسرائيلية في منطقة القدس، ونظيره الأردني عبد الله التل على "اتفاق كامل وحقيقي لوقف إطلاق النار".
وفيما بعد وصفت الخريطة التي تم رسمها على نحو بدائي وعلى عجل بمصاحبة وقف إطلاق النار والتي تحدد مواقع كلا الطرفين في المدينة على أنها "خريطة غريبة". حيث لم يكن القصد منها بتاتاً أن تكون الكلمة النهائية بخصوص تقسيم القدس، لكن عند توقيع إسرائيل والأردن على اتفاق الهدنة في رودس في شهر نيسان 1949، تم اعتبارها النقطة المرجعية الوحيدة، وبذلك استمر واقع القدس حتى العام 1967.
لقد كان للخطوط الكثيفة التي رسمها كلا القائدين أثراً غير متوقعا في خلق منطقة غير واضحة واعتباطية منزوعة السلاح بعمق ما بين 60-80 متر تتجه من الشمال إلى الجنوب عبر المدينة. نتيجة لذلك، وقع حوالي 125 منزل داخل هذه المنطقة الغامضة التي تبلغ مساحتها 850 دونم، والمحاطة بحوالي 55 موقع محصن. لقد تم فتح نقطة عبور واحدة، سميت بوابة ماندلبوم، كي يقوم من خلالها فريق مراقبة الهدنة التابع للأمم المتحدة بالمرور ومراقبة التزام الطرفين بالهدنة. يشار إلى أن بنود الهدنة قد نصت على السماح بمرور قافلة تموين وموظفين كل أسبوعين من القدس الغربية إلى المنطقة المنزوعة السلاح التي احتفظت بها إسرائيل في محيط مستشفى هداسا والجامعة العبرية وجبل سكوبس في القدس الشرقية. وقام فريق الهدنة التابع للأمم المتحدة، مع مؤسسات هيئة الأمم المتحدة الأخرى، بفتح مكاتب رئيسية في بيت الحكومة البريطانية القديم الواقع إلى الجنوب من المدينة، حيث أقيمت هناك منطقة أخرى منزوعة السلاح. وفي النهاية أحيطت المنطقة المنزوعة السلاح بسياج من الجانبين في عام 1962، وسط ارتباك وتنافس على المواقع الدقيقة للخطوط. وبشكل عام، شكلت المنطقة المقسمة 4.4% من مساحة بلدية القدس قبل عام 1948، ومن الشرق، امتدت السيطرة الأردنية على 11.48% من منطقة البلدية، في حين سيطرت إسرائيل على 84.12%.
إن احتفاظ إسرائيل بممر حصري لها يؤدي إلى منطقة جبل سكوبس كان يعني احتفاظها بسيطرة فعلية على جميع ممتلكاتها قبل الحرب في المنطقة التي يسيطر عليها الأردن – والتي تبلغ مساحتها 116 دونم. بالمقابل، فقد الفلسطينيون ممتلكاتهم من الأراضي في الجزء الغربي (الإسرائيلي) بشكل تام وكلي، حيث كانت الملكية الفلسطينية هناك قبل الحرب تصل 5,544 دونم، أو 33.7% من منطقة القدس الغربية. حيث شكلت أملاك الأوقاف الإسلامية والأملاك العامة ما نسبته 36.3% من المنطقة، في حين شكلت ملكية اليهود قبل عام 1948 نسبة 30% الباقية. وفي المدينة ككل (الشرقية والغربية)، كانت أملاك المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين، قبل عام 1948، تقدر بحوالي 11,190 دونم. وبحلول العام 1949، تراجعت ملكية الفلسطينيين للأراضي الخاصة إلى 2,284 دونم.
وكما هو الحال في القرى والمدن الفلسطينية المحتلة الأخرى، عندما توقفت أعمال السلب والمصادرة العسكرية الشاملة الأولية، جرى تقسيم الممتلكات التي نهبتها القدس الغربية بشكل رسمي من قبل "حارس الأملاك المهجورة" وخليفته "حارس أملاك الغائب". يشار إلى أنه تم إعطاء المسئولين الحكوميين والوزراء حق "الأولوية" لاختيار ما يريدون من بيوت الفلسطينيين الجميلة والراقية في أحياء الطالبية، والبقعة والحي الألماني. وبنفس الوقت، قامت وزارة الاستيعاب الإسرائيلية التي تم إنشاؤها حديثاً بإرسال المهاجرين لامتلاك المنازل "الأقل قيمة" على طول مناطق الخط الأمامي وفي الأحياء والقرى المحيطة. وفي الفترة بين أيلول 1948 وآب 1949، انتقل ما لا يقل عن 16.000 يهودي إلى بيوت المقدسين الفلسطينيين. وفي قرية دير ياسين، حيث تم قتل أكثر من 100 رجل، وامرأة وطفل في أشنع مذبحة شهدتها الحرب، تم افتتاح "معسكر للمهاجرين". واستقر اليهود البولنديين، والرومانيين والسلوفاك في أراضي القرية واستولوا على منازل القتلى واللاجئين؛ وتم تغيير اسم دير ياسين إلى جفعات شاؤول
لقد ثبت أن عملية تقييم الخسائر المالية الفلسطينية بشكل دقيق في القدس تنطوي على صعوبات، حيث تم التوصل للعديد من التقديرات المتضاربة.ومع فقدان غرب المدينة والقرى الواقعة خارجها، فقد الفلسطينيون ذلك الجزء المتطور من المدينة الذي تركزت فيه الاستثمارات أثناء فترة الانتداب. يذكر أن الجزء الغربي، الذي يعتبر موطن لعائلات القدس التاريخية الغنية ومنطقة سكنية جديدة للنخب الاجتماعية، قد قلص الهوة بين البلدة القديمة المحافظة والمناطق الأقل تطوراً المحيطة بها. وبهذا الخصوص، يتذكر المقدسي روحي الخطيب، الذي تم تعيينه رئيساً لبلدية القدس الشرقية عام 1957، قائلاً: "لقد ورثنا من حكومة الانتداب في هذا الجزء (الشرقي) من القدس مدينة حزينة متهالكة المباني، ومشلولة التجارة والاقتصاد، وخالية من أية موارد مالية".
مع نهاية عام 1949، قام بن غوريون بنقل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس الغربية، معلناً عن المدينة "جزء حيوي ولا يتجزأ من دولة إسرائيل". وفي الجزء الشرقي، أعلن الملك عبد الله بن الحسين أن "القدس في أيدينا وسوف تبقى في أيدينا". لكن مثل تلك الإعلانات بشأن السيادة على القدس جاءت بعكس موقف هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وفي شهر تشرين الثاني 1949، كررت الجمعية العامة للأمم المتحدة دعمها لحل المنطقة الدولية في المدينة، بينما أصدرت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة بيانات تقر فيها بالتقسيمات الراهنة، لكن فقط "بانتظار تقرير مصير وضع المنطقة النهائي". وظل تقسيم المدينة قائماً إلى أن قامت إسرائيل باحتلال بقية المدينة في حزيران 1967.