الشرق الأوسط بعد حرب حزيران 1967
Map Details
أحدثت حرب حزيران 1967 ما يوصف بـ "هزة أرضية إقليمية" في الشرق الأوسط، حيث سيطرت إسرائيل التي كانت مساحتها حوالي 20.000 كم2 على منطقة مساحتها 90.000 كم2 بين ليلة وضحاها. وسقطت شبه جزيرة سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة في أيدي القوات الإسرائيلية مسجلة تفوقاً كبيراً على جميع القوات المسلحة العربية وملحقة هزيمة مهينة بحركة القومية العربية والنظام السياسي العربي، وأعادت تشكيل ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
أصرّت إسرائيل على أن "الحرب" كانت من قبيل الدفاع عن النفس ضد الاعتداءات التي تنطلق من الحدود السورية وقيام الرئيس عبد الناصر بنشر قوات مصرية في سيناء. أما داخلياً وفي أروقتها الخاصة، فقد اعترف شخصيات قيادية إسرائيلية - كرئيس الوزراء ليفي أشكول، ووزير الدفاع موشيه ديان، ورئيس الأركان اتسحاق رابين – بأن الحرب كانت توسعاً عدائياً يغلب عليه طابع الانتهازية والاعتباطية. وفي السنوات التي أدت إلى الحرب، كانت إسرائيل تخوض معارك استنزاف محدودة على طول حدودها الشرقية التي كانت مجموعات من المقاتلين الفلسطينيين تتسلل عبرها لتهاجم أهداف إسرائيلية. بشكل عام، كانت إسرائيل ترى أن الملك حسين قادر على السيطرة على الفلسطينيين الذين ينطلقون من الأردن؛ وفضلت أن توجه ضربات "وقائية" وانتقامية إلى سوريا ومصر. وقد انتابت إسرائيل حالة من القلق بسبب الشعبية الكبيرة التي اكتسبها عبد الناصر على مستوى العالم العربي والسلاح السوفيتي في كل من مصر وسوريا، بينما أخذت الولايات المتحدة على عاتقها دعم إسرائيل كوسيلة استراتيجية لمواجهة حلفاء السوفييت والقومية العربية الإقليمية.
في أوائل عام 1967، شرعت إسرائيل في تنفيذ حملة منظمة لتصعيد التوتر على الحدود السورية. وكما يذكر موشيه دايان "لقد بدأت (الحملة) على هذا النحو: نقوم بإرسال تراكتور (جرار زراعي) لحراثة أرض ما .. في المنطقة منزوعة السلاح، ونحن نعلم مسبقاً أن السوريين سوف يبدؤون بإطلاق النار. إذا لم يطلقوا النار، سوف نطلب من سائق التراكتور التقدم أكثر إلى أن يشعر السوريون بالاستياء ويبدؤوا بإطلاق النار. عندئذ، سنقوم باستخدام المدفعية، ومن ثم سلاح الجو ..... هكذا كانت الحملة." أدت مثل هذه الحوادث في نيسان 1967 إلى تحليق المقاتلات الجوية الإسرائيلية فوق دمشق وقيامها بتدمير ست طائرات سورية. بعد شهر واحد، هدد رابين في مقابلة صحفية باحتلال دمشق. وأصبح الرئيس عبد الناصر وبصفته زعيما للعالم العربي بلا منازع، مضطراً للرد على هذه الاستفزازات باستعراض قدراته وقوته وللاستجابة لمتطلبات اتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا. فقام بنشر قوات عسكرية في سيناء وبإغلاق مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية.
أبلغت الولايات المتحدة إسرائيل بأنها لا ترى أية دلائل على هجوم عربي وشيك. لكنها أعربت عن ثقتها بأن إسرائيل "سوف تسومهم سوء العذاب" في حال قيامهم بمهاجمتها، وتعهدت بتعويض إسرائيل عن الخسائر والذخائر العسكرية التي قد تستهلكها خلال الحرب في سيناريو ما بعد الحرب. بدأت إسرائيل هجومها في 5 حزيران بمهاجمة الطائرات المصرية وتمكنت من إبادتها على أرض المطارات خلال ساعتين. وعندما قام السوريون والأردنيون بتحريك قواتهم، لاقت طائراتهم نفس المصير. لقد تم تدمير حوالي 400 طائرة في يوم واحد. وخلال الأيام الخمس التي تلت 5 حزيران، نجح ديان ورابين في تحويل الخطة الأصلية، التي كانت تقتصر على ضمان الوصول إلى خليج تيران وإحداث "تعديلات حدودية طفيفة" على الجبهة الشرقية، إلى واحدة من أكبر الاعتداءات وعمليات احتلال الأراضي. كان الهجوم على سيناء وفقاً للخطط تماماً؛ إلا أن احتلال كامل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان لم يكن متوقعا.ً تم الاستيلاء على الضفة الغربية تحقيقاً لطموحات الجنرالات في إسرائيل منذ نكبة 1948! أما مرتفعات الجولان، فقد تم الاستيلاء عليها دون أية ذريعة عسكرية. فقد تجاوز موشيه ديان رئيس أركانه ليعطي أوامر بالهجوم على الجولان في اليوم قبل الأخير من الحرب، بعد ساعات من طلب سوريا وقف إطلاق النار. فيما بعد، وصف ديان مغامراته بأنها فشل مهني. بينما وصفه رئيس الوزراء اشكول بأنه "رجل سيء".
حققت إسرائيل من الحرب التي شنتها على مصر، والأردن وسوريا مكاسب هائلة وغير متوقعة على كافة الجبهات. بهذا الصدد، أعلن رئيس وزراء إسرائيل ليفي أشكول عن وجود "حقيقة سياسية جديدة في الشرق الأوسط" . بعد وقف العمليات العدائية في 10 حزيران، طلبت لجنة الأمم المتحدة الخاصة حول فلسطين من إسرائيل الالتزام بميثاق جنيف الرابع والسماح "بعودة أولئك الذين هربوا ..." . لكن إسرائيل لم تلتزم بأي منهما. مرة أخرى، مارست إسرائيل خلال الحرب نفس التكتيكات التي مارستها في عام 1948 فيما يتعلق بمحو قرى فلسطينية بالكامل (في منطقة اللطرون، بيت نوبا، عمواس ويالو). وانضم حوالي 300.000 فلسطيني إلى لاجئي الشتات مع نهاية الحرب، ووجد مليون ونصف مليون فلسطيني آخرين أنفسهم تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي في منطقتي الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.