الاتفاقية المرحلية (أوسلو 2)، 28 أيلول 1995، طابا
Map Details
عقب إبرام اتفاقية أوسلو الأولى I، استمرت المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية حول توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية وتواجدها في الضفة الغربية على المستويين الرسمي والسري. لكن الرفض الإسرائيلي لتقديم تأكيدات من حيث الهدف النهائي لعملية أسلو بدأ يأخذ منحى متشدداً، في الوقت الذي أخذ الإحباط ينمو بشكل متزايد بين الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن اتفاق إعلان المبادئ تضمن جدولاً زمنياً يدعوا إلى الشروع في مباحثات الوضع الدائم قبل نهاية أيلول 1996، إلا أن اسحق رابين صرح أن "لا تواريخ مقدسة"، مخبراً ياسر عرفات أن "هذا هو اختبار لك"، حيث جعل جميع عمليات إعادة الانتشار الأخرى مرهونة بتبني السلطة الفلسطينية لسياسة مناهضة للإرهاب الموجه إلى إسرائيل يتطلب تطبيقها إجراءات استبدادية.
ومع تشكيل فريق جديد يضم حوالي 30 ضابطاً من سكان المستوطنات، قدم الإسرائيليون إلى الفلسطينيين سلسلة من خرائط المرحلة الثانية لعملية إعادة الانتشار المحتملة. ولكون الحكومة تسترشد بالتزامها نحو البرنامج الاستيطاني، فقد تم إعداد الخرائط بشكل يضمن حرية حركة المستوطنين، ويحدد صلاحيات السلطة الفلسطينية في المراكز السكانية الرئيسية. وخلال عام 1995، استمرت إسرائيل في تنفيذ استراتيجيتها الاستيطانية حتى النهاية، حيث انكبت على بناء شبكة من الطرق الالتفافية تمهيداً لعمليات إعادة انتشار متوقعة. مع نهاية عام 1995، كان ما مساحته 400 كم من الطرق الالتفافية قد شقت، مبتلعة حوالي 16.000 دونم من الأراضي الفلسطينية. رغم أن اتفاقية إعلان المبادئ تضمنت التزاماً بعدم المساس بنتائج مباحثات الوضع الدائم من خلال فرض تغيرات ووقائع على الأرض، إلا أن ما مجموعه 166.534 دونم كانت قد صودرت منذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ وحتى حلول أيلول 1995، أي بمعدل 220 دونم يومياً.
في أثناء ذلك، كان الرأي العام الفلسطيني المؤيد للسلام يشهد تراجعاً ملحوظاً. وأجبر الإغلاق الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة 28.4% من القوى العاملة في القطاع على الخروج من سوق العمل، حيث أصبح معدل البطالة في قطاع غزة أحد أعلى المعدلات على مستوى العالم. ومع انقضاء تاريخ الأول من تموز من عام 1995 دون تنفيذ إسرائيل للانسحابات المقررة، اتهم المفاوضون الفلسطينيون الإسرائيليين بأنهم قد "تحولوا من محتلين إلى سجانين يسيطرون على تحركاتنا." على صعيد آخر، كانت إنجازات السلطة الفلسطينية في معظمها ذات طابع رمزي؛ حيث تم إصدار أول جوازات سفر فلسطينية، وكشف النقاب عن خطط لإقامة مطار دولي، وبدأت محطة تلفزيونية فلسطينية تبث برامجها عبر الأثير. وفي أواسط آب من نفس العام، ومع رفض الفلسطينيين قبول الحد الأدنى الذي عرضته عليهم الطواقم الأمنية الإسرائيلية، دعى كبير المفاوضين الإسرائيليين، أوري سافير، الولايات المتحدة للعمل كقوة تأثير ضاغطة على الفلسطينيين .
رغم شكوك القيادة الفلسطينية بأن الاتفاقية المرحلية (أو أوسلو 2) كانت مناورة إسرائيلية تهدف إلى "إضفاء شرعية على الوضع الراهن مع تغييرات طفيفة على الأرض"، إلا أن السلطة الفلسطينية وافقت في النهاية على الخريطة الإسرائيلية مع بعض التعديلات الطفيفة عليها. بموجب اتفاقية أوسلو 2، التي تم توقيعها في طابا بتاريخ 28 أيلول 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة "مناطق" سيطرة: تولت السلطة الفلسطينية مسئوليات مدنية وأمنية داخلية في ست مدن في الضفة الغربية (بالإضافة إلى أريحا) (المنطقة أ)؛ ومسئولية الشؤون المدنية في حوالي 420 قرية، بينما احتفظت إسرائيل بالسيطرة الأمنية فيها (المنطقة ب). واحتفظت إسرائيل بسيطرة مطلقة في المنطقة المتبقية (المنطقة ج). وقد أجلت اتفاقية أوسلو 2 إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة الخليل، حيث "فرض وبإصرار" 450 مستوطن يقيمون فيها على إسرائيل الإبقاء على الحكم العسكري على المواطنين المقيمين في المنطقة وعددهم حوالي 120.000 فلسطيني. وبشكل عام، يمكن القول أن المنطقة "أ" شكلت 2% فقط من مساحة الضفة الغربية، بينما شكلت المنطقة "ب" 26% والمنطقة "ج" 72% من مساحتها.
على الرغم من أن الاتفاق الفعلي لإعادة الانتشار الأولية قد استند إلى خرائط مسبقة في اتفاقية أوسلو 2، إلا أن الاتفاق على عمليات إعادة الانتشار الثلاثة الأخرى التي نصت عليها هذه الاتفاقية، والتي تم التفاوض حولها في اتفاقي واي ريفر وشرم الشيخ اللاحقتين، قد تم دون الاستناد إلى أية خرائط وإنما إلى نسب مئوية فقط. كما أدى قيام إسرائيل بضم القدس الشرقية بشكل أحادي الجانب ومنافي للقوانين الدولية، ومن ثم قيامها باستثناء الضفة الغربية من المياه الإقليمية للبحر الميت والأراضي المحايدة خلال الفترة 1949 – 1967، إلى تقليص مساحة الضفة الغربية بحوالي 316 كم2 من مساحتها الإجمالي، أو حوالي 5.6% من إجمالي المساحة الفعلية للضفة الغربية. وبذلك، ادعت إسرائيل بأن خريطة أوسلو 2 أعطت الفلسطينيين مساحة (أي ما يعرف بالمنطقة أ) تصل إلى 3% من مساحة الضفة الغربية، بينما كانت المساحة الحقيقية بحدود 2%. كذلك، كانت عمليات إعادة الانتشار التالية، التي استندت أيضاً إلى نسب مئوية من المساحة الإجمالية، أضيق نطاقاً مما تدعيه إسرائيل وأقل في مساحاتها من الأرقام المتفق عليها. وتزداد الحيرة والإرباك مع حقيقة أن الأرقام الإسرائيلية شكلت جزء لا يتجزأ من الوثائق الرسمية في اتفاقيتي واي ريفر وشرم الشيخ، وكان يتم التعاطي معها من قبل غالبية المصادر الإسرائيلية، والفلسطينية، والدولية. ولم تكن السلطة الفلسطينية موافقة على مثل هذه الاقتطاعات من مساحة الضفة الغربية، لكنه لم يكن لديها أي خيار سوى تأخير بحث هذا الموضوع حتى مباحثات الوضع الدائم.
على أرض الواقع، أبقت إسرائيل على سيطرة أمنية كاملة على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع قيامها بمنح السلطة الفلسطينية مساحة ضئيلة من الأراضي، أجبرت إسرائيل السلطة الفلسطينية فعلياً على إدارة شؤون سكان الأراضي الفلسطينية ككل تقريباً. وقد بدأت عمليات إعادة الانتشار الأخرى في الضفة الغربية بتاريخ 10 تشرين الأول بدءاً بمدينة سلفيت، وأتمت انسحابها في 27 كانون الأول مع دخول ياسر عرفات إلى رام الله "المحررة". من ناحية أخرى، تأخر البدء في عملية أسلو 2 مدة ستة أشهر، وكان من شان هذه العملية أن تركت الفلسطينيين في "أرخبيل من الجيوب" المحاطة بالطرق الالتفافية والمستوطنات الآخذة في الاتساع.
كما مهدت الاتفاقية الطريق لإجراء أول انتخابات طال انتظارها لاختيار ثمانية وثمانين عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث جرت في 22 كانون الثاني 1996. كما نفذت إسرائيل انسحاباً جزئياً في الخليل في غضون ستة أشهر، وألزمت إسرائيل نفسها بتنفيذ ثلاث عمليات إعادة انتشار أخرى بمعدل عملية إعادة انتشار واحدة كل ستة أشهر خلال 18 شهراً، وتبدأ في فترة لا تتجاوز تشرين الثاني 1996. إلا أن عمليات إعادة الانتشار الثلاثة المذكورة لم تكن محددة من حيث الحجم؛ ولكن كان يفترض أن تؤدي جميعها إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، باستثناء "المستوطنات" والمناطق "الأمنية". ومن جملة الانتهاكات الإسرائيلية العديدة لاتفاقية إعلان المبادئ والاتفاقيات الأخرى التي تلتها أن فشلت إسرائيل في تنفيذ أحد التزامها الواردة في اتفاقية أوسلو1 بتوفير "الممر الآمن" الحيوي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. رغم ذلك، كان من المخطط أن تبدأ مفاوضات الوضع الدائم في أيار 1996 وأن تنتهي في أيار 1999، الأمر الذي لم يتحقق مطلقاً!