مؤتمر أنابوليس وخطة أولمرت للسلام، 2007-2008
Map Details
في كانون الأول (ديسمبر) 2006، أجرى إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس أول اجتماع من سلسلة طويلة من الاجتماعات كان من المفترض أن تجري على مدى عامين متتاليين والتي كان هدفها إحياء عملية السلام والعمل من أجل التوصل إلى اتفاق وفقاً لخارطة الطريق لعام 2003. وبعد بضعة أشهر، أعادت جامعة الدول العربية اعتماد مبادرة السلام العربية لعام 2002، مطالبة إسرائيل بقبول الحل الإقليمي للصراع. كان رد فعل أولمرت الأولي إيجابي، ولكنه تخلى في نهاية المطاف عن المسار الإقليمي لصالح استمرار المفاوضات الثنائية مع السلطة الفلسطينية في إطار التحضير لمؤتمر أنابوليس القادم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007.
أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الدعوة إلى مؤتمر أنابوليس في كلمة ألقاها في حزيران (يوليو) 2007، بعد حوالي شهر من "سيطرة" حماس على قطاع غزة. وتعهد بوش باتخاذ "سلسلة من الخطوات لتعزيز قوى الاعتدال والسلام بين أبناء الشعب الفلسطيني"، والتي تضمنت توفير المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية، والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بمساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على حل قضاياهم، وكذلك مساعدة الفلسطينيين على إنشاء إطاراً مؤسساتيا لدولة فلسطينية في المستقبل. في اتخاذ هذه الخطوات، كان من المفترض أن تتعاون الولايات المتحدة مع الأعضاء الآخرين في اللجنة الرباعية للشرق الأوسط ومندوبها الجديد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق. علاوة على ذلك، كان من المفترض أن تترأس كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الامريكية مؤتمراً دولياً يشارك فيه ممثلون من إسرائيل والسلطة الفلسطينية وعدد من البلدان الأخرى والمنظمات الدولية ذات العلاقة.
في إطار التحضير للمؤتمر، عقد ايهود اولمرت والرئيس محمود عباس والعديد من المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين الآخرين سلسلة من الاجتماعات لصياغة "إعلان المبادئ" بشأن القضايا الجوهرية للصراع. وبالرغم من أن الرئيس محمود عباس قد حاول الحصول على تنازلات ملموسة من الإسرائيليين كدليل للجمهور الفلسطيني بأن المفاوضات أفضل طريقة لتحقيق السلام، إلا أن أولمرت كان مترددا في تقديم أي وعود ملموسة يمكن أن تغضب المستوطنين. وليس غريباً فشل الطرفين في التوصل إلى بيان مشترك. في النهاية، وهو الأمر الذي استطاع الرئيس جورج بوش تقديمه إلى ممثلي أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية حضروا مؤتمر أنابوليس في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، كانت "مذكرة تفاهم مشترك" مبهمة وأعرب أولمرت والرئيس محمود عباس في توقيعها عن عزمهما بدء جولة جديدة من المفاوضات الثنائية بهدف التوصل إلى اتفاق الوضع النهائي قبل نهاية عام 2008 ، والبدء في تنفيذ التزاماتها بموجب خارطة الطريق لعام 2003 فوراً، وجاء في الاتفاق على أن تكون الولايات المتحدة هي المرجعية المراقبة للتقدم الذي يمكن أن تحرزه.
استمرت المفاوضات الثنائية في أعقاب المؤتمر، ولكن كان التقدم نحو التوصل إلى اتفاق بطيء، وذلك بسبب تقويض جهود المفاوضين نتيجة عدد من العوامل الخارجية. وشملت هذه العوامل تصاعد أعمال العنف بين إسرائيل وحماس التي قاطعت مؤتمر أنابوليس ، وبلغت ذروتها في العملية العسكرية الإسرائيلية المدمرة "الشتاء الساخن" في عام 2008 (انظر خريطة 46)؛ التي أدت بدورها إلى زيادة النشاط الاستيطاني الإسرائيلي والتي أظهرت فشل إسرائيل في تنفيذ التزاماتها بموجب خارطة الطريق ، وأخيرا الموقف المحلي الضعيف لحكومة أولمرت.
في 16 أيلول (سبتمبر) 2008، قدم ايهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية مسودة خطة شاملة للطرف الفلسطيني تغطي المسائل المختلف عليها مثل الأمن والقدس واللاجئين والحدود. وقد طرحت الخطة عدداً من المبادئ فيما يتعلق بقضية الأمن، والتي وافق عليها الطرفان مبدئياً! وتضمنت "نزع الأسلحة" من فلسطين، والسماح للفلسطينيين بامتلاك قوات شرطة ولكن ليس جيشاً وطنياً أو سلاحاً جوياً، ونشر دائم لقوة دولية عسكرية (على الأغلب قوات الناتو) في وادي الأردن مع حرية وصول إسرائيل إلى المجال الجوي الفلسطيني وحرية الوصول - إذا لزم الأمر لأغراض أمنية – إلى الأراضي الفلسطينية.
أما فيما يتعلق بالقدس، فقد طرحت الخطة مسألة السيادة الإسرائيلية على الأحياء الإسرائيلية والسيادة الفلسطينية على الأحياء العربية، بحيث تكون المدينة عاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين. علاوة على ذلك، اقترحت الخطة تعريف البلدة القديمة في القدس وعدد من المناطق المحيطة بها ب "الحوض المقدس" أو "الحوض التاريخي" وتوضع تحت "الوصاية" الدولية بحيث تحكم هذه المنطقة بشكل جماعي من قبل فلسطين والأردن والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل. وقد وافق الرئيس محمود عباس على هذه المقترحات من حيث المبدأ، إلا أنه عارض التعريف الإسرائيلي للبلدة القديمة ومحيطها بـ "الحوض المقدس.
أما بخصوص اللاجئين، أظهر أولمرت استعداده للاعتراف بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين - ولكن دون أن تتحمل إسرائيل المسؤولية - واقترح إنشاء صندوق دولي لتعويض اللاجئين الفلسطينيين عن الخسائر في ممتلكاتهم التي لحقت بهم في حرب عام 1948. إضافة إلى ذلك، وافق على السماح لحوالي 5،000 لاجئ فلسطيني (من أصل خمسة ملايين) بالدخول إلى إسرائيل لأسباب إنسانية.
رغم أن الرئيس محمود عباس وافق على خطة التعويض، إلا أنه اعترض على سماح إسرائيل بعودة ما نسبته فقط 0.1٪ من اللاجئين الفلسطينيين. أخيرا، بخصوص الحدود فإن خطة أولمرت خططت للضم الإسرائيلي لما بين 6.3٪ و 8.8٪ من الأراضي الفلسطينية، مع تبادل الأراضي بنسبة ما بين 5.4٪ إلى 5.8 ٪ من أجل التعويض. علاوة على ذلك، سيتم إنشاء نفق ممر آمن سيربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة وسيتم إزالة عدد من المستوطنات الصغيرة في حين أن غيرها من المستوطنات الكبيرة، بما في ذلك مستوطنة ارييل الواقعة بين رام الله ونابلس، فقد اقترح أن تبقى في مكانها.
كانت تلك المقترحات غير مقبولة للرئيس محمود عباس، الذي أوضح جيداً أنه من الممكن أن يسمح لما يزيد عن 60٪ من المستوطنين بالبقاء مكانهم، بشرط إزالة مستوطنة أرئيل التي تشكل عقبة كبيرة أمام التنمية الفلسطينية. على الرغم من أن فريقي التفاوض الإسرائيلي والفلسطيني - رغم كل الصعاب - تمكنا من إحراز تفاهم كبير بشأن التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا الجوهرية في الصراع، إلا أنه كانت تزال هناك اختلافات كبيرة لم تأخذها خطة أولمرت بعين الاعتبار. ونتيجة لذلك، لم يتمكن الرئيس محمود عباس من الموافقة على مجمل خطة اولمرت التي جرى تقديمها على أساس أنها "أفضل عرض تقدمه إسرائيل." وبعد عدم الموافقة الفلسطينية على تلك المقترحات، خاصة وأن ايهود ألمرت وحكومته "العرجاء" في مرحلة الاتهامات "بالفساد" وذلك ما يهدد شرعيتها واستمرارها، انهارت المفاوضات، وبذلك وصلت عملية أنابوليس إلى نهاية مخيبة للآمال.