مشاريع التقسيم الصادرة عن لجنة وودهيد، 1938
Map Details
مع عدم الرغبة الصهيونية بقبول حتى 33% من فلسطين باعتبارها غير كافية والرفض الفلسطيني المطلق بالموافقة على خطة تدعوا إلى طردهم وترحيلهم من ذلك الجزء، كان من الواضح أن البريطانيين غير قادرين على تبني مشروع بيل بحد ذاته. إلا أن الحاجة إلى حل القضية أخذت تصبح أكثر إلحاحاً مع تجدد الثورة العربية وتصعيد المواجهات. وفي سياق اعترافهم بقرار منظمة الصهيونية العالمية الصادر في آب 1937 حول القبول بمبدأ التقسيم، لكن ليس على أساس حدود لجنة بيل، والعمل على تطبيقه على أساس أكثر كرماً، شرع البريطانيون بتفحص الموضوع على نطاق أوسع.
على أساس ذلك، تم إرسال لجنة التحقيق الفنية، برئاسة السير جون وودهيد (يشار إليها من الآن فصاعداً بلجنة التقسيم أو لجنة وودهيد) إلى فلسطين في نيسان 1938، بهدف "تقصي الحقائق (و) ... بحث الإمكانات العملية لخطة التقسيم بشكل مفصل". حاولت بريطانيا تهدئة المخاوف والاهتمامات الفلسطينية بالإعلان عن أنهم " لم يقبلوا مقترحات لجنة بيل الخاصة بالترحيل القسري ..."
لكن الشكك استمر يساور الفلسطينيين حول استعداد الصهاينة لقبول دولة بأي حجم على أساس التعايش. وبعد نشر خطة بيل، قامت منظم الصهيوينة العالمية على الفور بتشكيل " لجنة ترحيل السكان". وحتى في الوقت الذي كانت فيه لجنة وودهيد في فلسطين، كان مسئولوا الوكالة الصهيونية يعقدقون سلسلة من الاجتماعات في القدس، لبحث قضية الترحيل بالتفصيل. وقد أعلن الرئيس التنفيذي للوكالة الصهيونية دعمه "للترحيل القسري". أما الوكالة الصهيونية، فقد أشارت "فيما يتعلق بترحيل الأفراد، فإننا نقوم بذلك على الدوام. لكن القضية ستكون ترحيل كمية أكبر بكثير". كما تزامنت زيارة اللجنة مع تنفيذ سلسلة من الهجمات بالقتنابل في القدس، وحيفا، ويافا على يد ميليشيا الهجنا الصهيونية؛ وذلك كجزء من حملة أزهقت أرواح حوالي 600 من الفلسطينيين مع نهاية السنة.
مع نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، كان البريطانيون والميليشيات الصهيوينية متوحدين تماماً في العمل ضد الثورة العربية. وقد اكتسب هذا التوحد البريطاني الصهيوني، الذي يضم أعضاء الهجانا وبرئاسة صهاينة بريطانيين، سمعة سيئة للهجمات "الانتقائية الوقائية" التي كانوا يشنوها على القرى في منطقة الجليل؛ وقد ضم كادر هذه الوحدات النخبة المستقبلية لقادة جيش الدفاع الإسرائيلي.
كنقطة انطلاق في تحقيقاتها، بدأت لجنة وودهيد بدراسة خطة بيل (الخط أ)؛ لكنها درست ما لا يقل عن ثلاثة احتمالات للتقسيم. من جانبهم، وضع الصهاينة خطة تدعو إلى قيام دولة يهودية كبيرة تقسم الدولة الفلسطينية الصغيرة إلى منقطتين معزولتين (كانتونين). وبينما رفضت القيادة الفلسطينية المشاركة في أية مفاوضات حول ما كانوا ينظرون إليه على أنه تجريد لهم، سعى الأمير عبدالله من الأردن للوحدة مع فلسطين وقدم خطته لقيام "مملكة عربية متحدة" . وقد تمخض عن النتائج التي توصلت لها لجنة وودهيد رفض قاطع لجدوى وعدالة أي تقسيم، حيث ملتزمة بالشروط المرجعية التي حددت لها، والمتمثلة في تحديد أماكن تمركز الديموغرافيا اليهودية والقيام، مع الكثير من التحفظ، بوضع خطة يمكن أن تشكل الوسيلة "الأقل استهجانا" لإقامة دولة يهودية في فلسطين (الخطة ج)، مع الإيضاح بطريقة أو بأخرى (الخطة ب) الوسائل المتاحة الوحيدة لتجميع الأراضي اليهودية المتناثرة في منقطة الجليل.
أرفق بتقرير اللجنة النهائي ملحقاً بالتحفظات التي قدمها عضو اللجنة توماس رييد والتي سجل فيها وجهة نظره حول "غياب العدالة"، "وغياب الأمن"، "وغياب الرضى" في أية خطة تقسيم يتم تبنيها، وخلص إلى القول إلى أنه حتى "لن يكون بالإمكان تطبيق الخطة (ج) في حال تم تبنيها. واعترافاً منه بتزايد انتشار عقيدة الترحيل (الترانسفير) بين الدوائر الصهيونية، دعا في "ملحق تحفظاته" إلى التخلي عن جميع الخطط الرامية إلى تقسيم البلد من خلال حدود اصطناعية، وأية خطط تكون نتيجتها المنطقية طرد العرب من بيوتهم لإفساح المجال أمام اليهود."
ومع تراجع فكرة ومبدأ "التقسيم" من حيث إمكانية التنفيذ أو موافقة الأطراف المعنية، لم يكن هناك خيار أمام بريطانيا سوى وضع صيغة مشروع لجنة بيل على الرف. وقد دعت الحكومة البريطانية إلى عقد مؤتمر عام لبحث قضية الهجرة اليهودية وامتلاك الأراضي (مؤتمر سان جيمس المنعقد في لندن في شباط 1939) بمشاركة ممثلين عن الوكالة اليهودية وزعماء اليهود في الغرب وممثلين عن الحكومات العربية ووفد فلسطيني من أقطاب الهيئة العربية العليا.