البلدة القديمة، 1944 و 1966
Map Details
تشير نتائج الحفريات الأثرية إلى وجود استقرار سكاني في البلدة القديمة في القدس والمناطق المحيطة بها يعود إلى 4000 سنة قبل الميلاد. ويذكر أن الأجزاء الرئيسية من الأسوار المحيطة بالقدس اليوم تعود إلى عام 1541، عندما أعاد السلطان العثماني سليمان القانوني ابن السلطان سليم الأول بناء هذه الأسوار والتي استغرقت خمسة أعوام. وعندما أعلنت بريطانيا القدس عاصمة إدارية للانتداب في فلسطين عام 1917، كان عدد المقيمين داخل أسوارها 22.247 نسمة1. وفي تلك السنة، صدر المرسوم البريطاني الذي نص على احترام حرية العبادة لكافة أتباع الديانات السماوية "طبقاً للعادات القائمة" في البلدة القديمة التي بلغت مساحتها 900 دونم (0.9 كم2)، وتشكل مركزاً للحياة الدينية والاقتصادية. وفي عام 1918، أصدر البريطانيون أمراً يقضي بمنع أي تغييرات إنشائية غير مرخصة "في مدينة القدس أو محيطها ضمن دائرة نصف قطرها 2.500 متر من باب العامود (بوابة دمشق) 2.
نتيجة لذلك، لم تشهد البلدة القديمة، والأماكن الدينية الرئيسية الموجودة فيها، مثل الحرم الشريف، وكنيسة القيامة، وحائط البراق الشريف، ("حائط المبكى" – راجع فهرس المصطلحات) أي تغيير ملموس خلال فترة الانتداب البريطاني.3 وركزت الخطط البريطانية الخاصة بالقدس على التطوير الحضري والصناعي في الجزء الغربي من المدينة. وبحلول العام 1947، كان 98% من السكان اليهود يقيمون في تلك المنطقة، حيث كانت غالبيتهم تستأجر العقارات من مالكيها الفلسطينيين أو من الأوقاف الإسلامية.4 وقد وصل النمو السكاني اليهودي في عهد الانتداب في الأحياء الغربية إلى 293%، بينما تراجع عدد السكان اليهود في البلدة القديمة إلى النصف. وخلال نفس الفترة المذكورة، ازداد عدد المواطنين الفلسطينيين في البلدة القديمة، حيث أقامت عدة "تجمعات فرعية" في الأحياء المسيحية والإسلامية والأرمنية بنسبة 200%.5 وتشير الأرقام البريطانية لعام 1944 إلى أن عدد سكان البلدة القديمة قد بلغ 36.000 نسمة؛ منهم 33.600 نسمة مسلمين ومسيحيين ينقسمون تقريباً بالتساوي، في حين كان عدد السكان اليهود 2.400 يهودي يقيمون في حي صغير يقع بين حي الأرمن وحي المغاربة6 وتجدر الإشارة إلى أن 99.4% تقريباً من مساحة البلدة القديمة كانت مملوكة للمسلمين والمسيحيين الفلسطينيين، مقابل 0.6% كانت ملكيتها للسكان اليهود.7
خلال حرب 1947-1948، عملت عصابات قوات الهاغانا الصهيونية على مصادرة وطرد العرب ومن ثم توطين اليهود في أحياء القدس "المحتلة والمفرغة". وأدى ترحيل حوالي 80.000 فلسطيني من منازلهم في قرى وأحياء غربي القدس إلى خلق أزمة تدفق لاجئين داخل البلدة القديمة، حيث لجأ إليها 30.000 ساكن "جديد"8. وهناك تمكنت القوات الأردنية والفلسطينية بصد هجومين رئيسيين لقوات وعصابات الهاجانا، ونجحت في الاحتفاظ بالبلدة القديمة ضمن الأسوار في أيدي السلطة العربية. وبتاريخ 22 أيار 1948، قامت هيئة الأمم المتحدة بإخلاء 1.300 ساكن يهودي ممن لم يغادروا إلى الشطر الغربي أثناء المعارك.9 بعد ذلك قامت الحكومة الأردنية بتأجير بعض البيوت التي كان قد أقام فيها السكان اليهود إلى وكالة الغوث الدولية، التي قامت بالاشتراك مع الصليب الأحمر الدولي، بإعادة تسكين اللاجئين في هذه البيوت وفي عدد أكبر من ممتلكات الأوقاف الإسلامية.10 وفي أعقاب معارك 1948، انخفض عدد سكان البلدة القديمة بشكل حاد، حيث فقد العديد من السكان مصدر معيشتهم وعقاراتهم وممتلكاتهم الواقعة خارج الأسوار، مما دفعهم للبحث عن فرص عمل جديدة في الخارج، بحثاً عن الاستقرار واللحاق بأفراد العائلة الآخرين الذين هاجروا أثناء الحرب وبعدها.11
وفي حرب حزيران 1967، احتلت القوات الإسرائيلية البلدة القديمة بما فيها أحياء القدس الشرقية، وباقي أجزاء الضفة الغربية. وأعلنت إسرائيل "أنها ستحافظ على "وحدة المدينة" وعلى العيش فيها مع الآخرين كمدينة موحدة".12 إلا أنه وفي يوم الجمعة الأولى بعد الاحتلال، أمرت إسرائيل بمنع الصلاة في الحرم القدسي الشريف، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ تقريباً 800 عام.13 وفي اليوم التالي، 10 حزيران، أقدمت إسرائيل على طرد 650 مواطن فلسطيني من حي المغاربة، الذي يرجع تاريخه للقرن الرابع عشر، إلى خارج حدود المدينة وتم هدم منازلهم من أجل شق طريق تصل ساحة موجودة أمام حائط البراق. في عام 1968، وتحت وطأة الشجب ودعوة الأمم المتحدة المتكررة المطالبة "بإلغاء جميع الإجراءات المتخذة والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يغير من وضع القدس"، شرعت إسرائيل بتدمير 1.048 شقة سكنية أخرى، و437 ورشة، وأربع مدارس ومسجدين، وأجبرت ما يزيد على 6.000 فلسطيني على مغادرة المدينة، وأقامت مكانها الحي اليهودي الموجود اليوم.14 لقد ابتلع الحي اليهودي، الذي اعتبرته إسرائيل "عودة" إلى البلدة القديمة، 116 دونم من البلدة القديمة – أي ما يزيد على 23 ضعف إجمالي المنطقة التي كان يقيم فيها اليهود قبل عام 1967. 15
تشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان البلدة القديمة عام 1967 كان يبلغ 23.675 نسمة، وهذا الرقم يظهر تراجعاً حاداً عن ما كان عليه الحال أيام الانتداب البريطاني. ويرجع السبب في هذا التراجع السكاني إلى العامل الاجتماعي – الاقتصادي الناجم عن حرب 1947-1948 والهجرة إلى الضفتين الغربية والشرقية خلال السنوات التي أعقبت الحرب بالإضافة إلى آثار حرب حزيران عام 1967 في مناطق الضفة الغربية وأدت الى نزوح آخرين إلى الأردن، ومن ثم لو يسمح لهم العودة إلى بيوتهم. وبحلول نهاية العام 1968، أدت سياسة الطرد الجماعي التي انتهجتها إسرائيل في البلدة القديمة إلى خفض عدد السكان الفلسطينيين بنسبة تزيد على 25%.16