حرب أكتوبر، تشرين الأول 1973
Map Details
انتهت حرب أكتوبر (تشرين أول) التي اندلعت عام 1973 بنوع من "التعادل"، ومكّنت من زعزعة المنعة الأسطورية التي عرفت إسرائيل بها. كما أدت الحرب إلى حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي في إسرائيل؛ وأعادت للدول العربية الكثير من القدرة على المناورة الاستراتيجية، التي كانت قد فقدتها في عام 1967. منذ وفاة الرئيس عبد الناصر في أيلول 1970، كان خليفته – أنور السادات – يتعامل مع شكوك محلية وإقليمية فيما يتعلق بمصداقيته حول دور مصر ما بعد حرب عام 1967، من خلال إيجاد طريقة للخروج من حالة الجمود السائدة مع إسرائيل. وصل السادات إلى السلطة بعد 17 شهر من حرب الاستنزاف (1969 – 1970) التي اندلعت على طول قناة السويس المغلقة بين حليفة الولايات المتحدة إسرائيل، وحليفة السوفييت مصر، وانتهت دون حسم رغم أنها زادت من السخط العربي على الوضع الراهن.
أثار وصول كل من حافظ الأسد وأنور السادات إلى السلطة في دمشق والقاهرة على التوالي في عام 1970، أسئلة محرجة حول أهداف وجدوى التضامن العربي في استمرار الاحتلال الإسرائيلي المتشدد. سعى كلا القائدين لإيجاد طريقة تخرجهم بشرف من إرث هزيمة 1967 المهين. في أثناء ذلك، كانت رئيسة وزراء إسرائيل، جولدا مئير، ووزير دفاعها، موشيه ديان، يقودان حكومة "صقور" متشددة، لدرجة أن وزير الخارجية فيها، أبا إيبان، اشتكى من " ... رؤية زملائه المبالغ فيها لدور الحرب في السياسة الدولية."
مع احتدام حرب فيتنام، كانت الولايات المتحدة – المسترشدة بما كان يعرف بعقيدة نيكسون، عاقدة العزم على احتواء محدود لمسرح الحرب العربية – الإسرائيلية الباردة، حيث كانت تسعى لانخراط الجانبين في "مفاوضات مطولة وغير شاملة" من خلال قنوات متدنية المستوى. ومع أواخر عام 1971، كان مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون، هنري كيسنجر، مسروراً لرؤية " الجود الذي طالما سعيت له عن قصد". من جانبه، كان السادات يسعى بشكل متكرر لتحقيق اختراق دبلوماسي، وقدم إلى كل من ممثل ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، غونار يارنغ، ووزير الخارجية الأمريكي، وليم روجرز، عدداً من التنازلات والصيغ غير المسبوقة. وخلافاً لكافة الشروط المسبقة، أعلن السادات في عام 1971 عن رغبته في قبول إنسحاب إسرائيلي من قناة السويس كجزء من اتفاقية مرحلية. لكن الولايات المتحدة أعربت في وقت لاحق عن أسفها لتفويتها مثل هذه الفرصة لكن إسرائيل كانت إما ترفض أو تتجاهل مبادرات السادات تلك، انطلاقاً من كونها تعمل من اعتقادها المضخم بمدى قوتها في مجابهة الضعف العربي؛ بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لم تمارس أي ضغوط عليها للتعامل مع مثل تلك المبادرات. وبدلاً من ذلك، توجهت إسرائيل نحو الأرض المحتلة، حيث أعدت في عام 1973 خطة جديدة متصلبة لتوسيع الاستيطان في الأرض الفلسطينية (وثيقة الجليل). وأعلن ديان: "دولة إسرائيل جديدة ذات حدود واسعة قوية ومتينة، تحت سيطرة (حكومة) إسرائيلية تمتد من الأردن حتى قناة السويس.
أدت الخطوة الدراماتيكية التي اتخذها السادات في عام 1972، عندما قام بطرد 15.000 خبير سوفيتي، إلى تخفيف قيود الحرب الباردة على العمل العسكري، وجعلت المخطط الاستراتيجي يتمتع بوضع قيادي غير محدود على الترسانة العسكرية المصرية السوفيتية المنشأ؛ وبدأ العمل في 6 تشرين الأول (أكتوبر): شنت سوريا ومصر هجوماً منسقاً على القوات الإسرائيلية المحتلة للجولان وسيناء في يوم الغفران – أقدس الأيام الدينية لدى اليهود- حيث كان الهجوم مفاجئاً بشكل تام، وحقق العرب مكاسب أولية مذهلة. لكن وبعد حوالي ثلاثة أسابيع وموقفين منفصلين لوقف إطلاق النار (سوريا وإسرائيل بتاريخ 22 أكتوبر ومصر وإسرائيل بتاريخ 26 أكتوبر)، فإن أي من الإسرائيليين أو العرب لم يحقق أي نصرا انطوى عن السيطرة على أراضي.
نتيجة لهذه المعركة دفع 2.838 إسرائيلي و 8.528 عربي حياتهم ثمناً لها وأسفرت أيضاً عن كسر لحالة الجمود. قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، الذي دعى إلى وقف لإطلاق النار بتاريخ 22 أكتوبر، ارتبط واقتبس من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 للعام 1967، خاصةً فيما يتعلق بطلب الانسحاب الإسرائيلي من أراضي محتلة والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتماشى مع أحكام القانون الدولي. انتشرت قوات الأمم المتحدة على الحدود لتطبيق وقف إطلاق النار، حيث أجبرت إسرائيل على الانسحاب من قناة السويس التي بدأ العمل بها مجدداً تحت السيطرة المصرية، بينما اضطرت الولايات المتحدة أخيراً إلى تبني دبلوماسية مكوكية نشطة وعالية المستوى بين القاهرة ودمشق وتل أبيب.
وضعت حرب أكتوبر (تشرين أول) الحكومة الإسرائيلية وسط أزمة سياسية أطاحت بها، وأرست أسساً لأول مباحثات سلام عربية – إسرائيلية. كما جعلت هذه الحرب الولايات المتحدة الوسيط الرئيسي في الشرق الأوسط، وجددت نتائج حرب أكتوبر (تشرين أول) الصراع لمقاومة التوسع الإسرائيلي – وهو الهدف الذي أضحى فجأة ممكناً أكثر من أي وقت مضى.