المياه السطحية
Map Details
شكلت قضية الوصول إلى موارد المياه المحدودة في المنطقة والسيطرة عليها مصدر صراع دائم في الشرق الأوسط. وضمن قضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يجري الحديث حول موردين رئيسيين للمياه، وهما أحواض المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمياه السطحية الدائمة المتدفقة عبر نهر الأردن وروافده الثلاثة: نهر الحاصباني، والدان وبانياس. تعتبر المياه السطحية التي تصل أو تتدفق عبر حوض نهر الأردن موارد مشتركة حسب القانون الدولي لكل من الأردن، وسوريا، وإسرائيل وفلسطيني الضفة الغربية – حيث تصنف هذه الدول قانونياً على أنها دول "تشترك في الأحواض أو الضفاف" بحكم موقعها الإقليمي ضمن منطقة الحوض1. وبهذا الشأن، لا بد من الإشارة إلى أن المعاهدات الدولية ومبادئ القانون العرفي الدولي تحظر على الدول اتخاذ أية إجراءات أحادية الجانب للانفراد بالسيطرة على الموارد المائية المشتركة، مثل الأحواض، كما تضمن حق جميع الأطراف المشتركة بالموارد المائية في مستويات استخدام "منصفة ومعقولة".2
خلافاً لما نصت عليه هذه القوانين والمعاهدات التي تلتها فيما بعد حول دور القوة المحتلة، تقوم إسرائيل منذ عام 1951 بتطبيق سلسلة من الخطط الاستراتيجية الرامية لاستغلال مياه حوض نهر الأردن من جانب واحد وعلى نحو مكثف. أما الوسيلة الرئيسية التي استخدمتها إسرائيل لتحويل هذه المياه، فتتمثل في خط المياه الإقليمي، المؤلف من سلسلة من القنوات، والأنفاق والأنابيب؛ والذي تم افتتاحه في العام 1964. ويقوم هذا الخط بنقل ما بين 420-450 مليون متر مكعب سنوياً من مياه بحيرة طبريا عبر السهل الساحلي جنوباً إلى صحراء النقب.3 ويتصل الخط الناقل بمجموعة من الأنظمة الإسرائيلية الإقليمية ويوزع ما نسبته 66% من إجمالي مياه الحوض التي تستغلها إسرائيل. علاوة على الخط الناقل، تقوم إسرائيل بتحويل 130 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من الحوض العلوي لنهر الأردن، إضافة إلى 90 مليون متر مكعب تقوم إسرائيل سنوياً بتحويلها مباشرة من بحيرة طبريا إلى المناطق الزراعية والتجمعات السكانية المجاورة. وتشكل كمية المياه التي تستغلها إسرائيل سنوياً (640 مليون متر مكعب) ما نسبته 58% من إجمالي المياه المستغلة في منطقة الحوض. وبالنسبة لنهر الأردن، تقوم إسرائيل بتحويل ما لا يقل عن 75% من مياه النهر قبل أن تصل إلى الضفة الغربية.
وفي أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية عام 1967، أضحت إسرائيل تسيطر على معظم منابع مياه الحوض، حيث مكنها ذلك من بسط سيطرتها الكاملة على بحيرة طبريا. ونتيجة لذلك اقتصر الوصول السوري إلى موارد مياه الحوض على نهر اليرموك فقط، والذي يتدفق على طول الحدود السورية - الأردنية وتتقاسم مياهه الدولتان. من ناحية أخرى، تمخضت معاهدة السلام الإسرائيلية – الأردنية الموقعة عام 1994 عن قبول إسرائيل تحويل (20) مليون متر مكعب فقط من مياه نهر الأردن في السنة إلى الأردن، والموافقة على تحويل كمية إضافية تقدر بـ 10 مليون متر مكعب من المياه المحلاة. ما بين 1960-2010 فحسب، فقد استفذ نهر الأردن ما بين 1،300 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب. وخلال الفترات العجاف، كان تدفق مياه نهر الأردن أقل من 10٪ من التدفق السنوي، وكان تدفق المياه في بعض الأحيان منخفضا حيث كان يصل إلى 1 مليون متر مكعب شهريا.
أقدمت إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية عام 1967، على تدمير وأيضاً مصادرة 140 مضخة مياه كانت موجودة على طول نهر الأردن في الضفة الغربية.55وقد أدى تحويل إسرائيل لثلاثة أرباع المياه المتدفقة من النهر إلى جعل نهر الأردن السفلي مهدداً بالزوال حتى لو وافقت إسرائيل على "سيطرة" فلسطينية نهائية في المنطقة؛ ويعود ذلك إلى أن مستوى الملوحة مرتفع ومعدل التدفق منخفض إلى حد خطير. يذكر أن نهر الأردن لم يعد حتى قادراً على تغذية البحر الميت، الذي تنحصر مياهه بشكل تدريجي لنفس السبب. وقد نص الأمر العسكري الإسرائيلي رقم 92 لشهر آب 1967، على تحويل السيطرة على موارد المياه في الضفة الغربية (المياه الجوفية والسطحية) إلى الإدارة العسكرية، وتلاه بنفس العام الأمر العسكري رقم 158، الذي حظر إقامة أية بنى تحتية تتعلق بالمياه. وفي عام 1982، حصلت شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) من الإدارة العسكرية على حق السيطرة على المياه، ولا تزال الشركة المذكورة تسيطر حتى اليوم على تدفق المياه وعلى البنية التحتية المتعلقة بالمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فيما حُرم الفلسطينيين كلياً من حقهم في الاستفادة من موارد المياه المشتركة في حوض نهر الأردن؛ ونتيجة لذلك، ظل اعتمادهم الكلي على المياه الجوفية للأحواض الجبلية والمياه القليلة "الجارية" في أودية الضفة الغربية أثناء فصل الشتاء.
إن حرمان شعب خاضع للاحتلال من موارده الطبيعية وعدم تلبية احتياجاته من تلك الموارد يعتبر خرقاً فاضحاً للوائح معاهدة لاهاي لعام 1910، ومعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949. كما أصبح هذا الحرمان لاحقاً موضوعاً لعدد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي6 وفي عام 1972، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (3005) أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة يجسد حقهم في استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك المياه. وأثناء عملية المفاوضات، تم تأجيل قضية المياه حتى مفاوضات الوضع النهائي، هذا على الرغم من أن السلطة الفلسطينية قامت بتأسيس سلطة المياه الفلسطينية، التي عملت كهيئة إدارية، فيما ظلت إسرائيل تسيطر بشكل مطلق على تدفق المياه، والأسعار وتطوير شبكة المياه. من جهة أخرى، أخفقت مفاوضات عام 2000-2001 في إحراز أي تقدم يتخطى إطار الترتيبات التي تم التوصل إليها في اتفاق (أوسلو 2)، التي نصت على التزام إسرائيل بتزويد الفلسطينيين باحتياجاتهم الفورية من المياه طبقاً لنظام الحصة، لكن هذه الترتيبات لم تؤدي إلى سيطرة الفلسطينيين على تدفق المياه أو حتى إلى اقترابهم من تحقيق مستوى استخدام "منصف ومعقول". منذ عام 2013، تراجع نصيب الفرد الفلسطيني من المياه في الضفة الغربية مقارنة بعام 1993 وزاد اعتمادهم على شراء المياه من إسرائيل بأسعار عالية.7 يبقى موضوع إمكانية وصول الفلسطينيين في المستقبل للمياه من حوض نهر الأردن واستخدامها ضرورة فلسطينية لتحقيق تنمية مستدامة، ولا سيما في ضوء التخفيض الشديد لإسرائيل في المحصول وجودة مصادر المياه الرئيسية الأخرى مثل خزانات المياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.