الأحياء الإسرائيلية والفلسطينية في القدس العاصمة، 2000
Map Details
تجدر الإشارة إلى أن مستوطنات "الحلقة الداخلية"، ومستوطنات "الحلقة الخارجية" الواقعة خارج محيط المدينة لا تجمد النمو والتطور الفلسطيني كلياً فحسب، بل تعمل أيضاً كحلقة وصل بين الضفة الغربية الخاضعة للإدارة العسكرية وإسرائيل. أما خارج حدود المدينة، فتترامى المناطق الصناعية "للحلقة الخارجية"، وشبكة الطرق الالتفافية واحتياطي الأراضي المصادرة شمالاً، وجنوباً وشرقاً، في عمق الضفة الغربية.
تعتبر عملية دمج "الحلقة الخارجية"، والتي تتألف أساساً من جفعات زئيف، ومعاليه أدوميم وكتلة عتصيون، أولوية تطويرية لكافة الحكومات الإسرائيلية منذ مطلع الثمانينات. حيث تم توسيع هذه المراكز السكنية بشكل كبير منذ ذلك الوقت، لتصبح مركز خدمات تعتمد عليه المواقع الأصغر والأقل انفتاحاً في عمق الضفة الغربية. ويتم خدمة المواقع "البعيدة" مباشرة من خلال البنية التحتية "للحلقة الخارجية" الممتدة من التلال الشرقية المطلة على غور الأردن (متزبي يريخو)، شمالاً إلى سلسلة التلال الواقعة خارج رام الله (بيت ايل)، وجنوباً خارج الحدود الجنوبية لبيت لحم (افرات وعتصيون). وتعتبر إسرائيل هذا الامتداد بأنه جزء "منطقة القدس العاصمة".
ومع دمج مستوطنات "الحلقة الداخلية" (البلدية) مع مستوطنات "الحلقة الخارجية" التي تأوي حاليا ما يزيد على 250.000 مستوطن، أصبح عدد الإسرائيليين المقيمين في هذه المواقع يفوق عدد أولئك المقيمين في القدس الغربية. وتجعل هذه الدائرة الديموغرافية إلى الشرق والتطورات الموازية في المرافق الصناعية، من شبكة الاستيطان في المدينة وشرقها، منطقة نمو يهودية رئيسية في القدس، وبذلك تبقى نقطة التماس الأمثل لمستوطنات الضفة الغربية الأخرى الواقعة في الخارج. تشتمل "الحلقة الخارجية" حالياً على ثلاث مناطق صناعية كبيرة وعلى شبكة من خطوط الاتصال التي تربط على الأقل 15 موقع بعيد بما يعرف بمناطق التطوير الإسرائيلية ذات الأولوية العالية.
وفي عام 1994، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين لجنة وزارية لصياغة استراتيجية تخطيط رسمية لهذه المنطقة الواسعة. وفي السنة التالية، تم الكشف عن الخطة الرئيسية للعاصمة، والتي تصورها في رؤية بعيدة المدى بأنها تمتد على مساحة 440 كم مربع، وتتكون غالباً من أراضي الضفة الغربية الواقعة خارج حدود المدينة. هذه الخطة، على الرغم من معارضتها لاحقا وكونها فقط جديدة من حيث الوضع الرسمي، مهدت الطريق أمام التوسعات اللاحقة على طول خطوط منطقة "القدس الكبرى"، وفتحت الباب على مصراعيه للنشاط الاستيطاني في المنطقة المذكورة .
يذكر أن القيود التي فرضتها شبكة مستوطنات العاصمة هذه قد خنقت القرى الفلسطينية الواقعة خارج حدود المدينة من كافة الجهات، وذلك من خلال تقويض تواصلها مع غالبية باقي الضفة الغربية وسلب موارد أرضها الشحيحة. وإلى الشمال، تم تقييد مدينة رام الله على امتداد جهتها الشرقية بسلسلة من المستوطنات سريعة التطور والممتدة عبر كوخف يعقوب، بساجوت وبيت ايل، إلى عوفره، والتي بالمقابل تعتبر الآن "بوابة" القدس العاصمة إلى مواقع الضفة الغربية الشمالية. ومن الجنوب، تم تطويق بيت لحم بواسطة طريقين التفافيين رئيسيين يربطان "الحلقة الداخلية" إلى الشمال مع كتلة مستوطنات عتصيون ومع المواقع الصغيرة الموجودة جنوبي منطقة بيت لحم. لقد تم تفريغ التلال الشرقية كلياً من سكانها غير اليهود، بما في ذلك بدو الجهالين، الذين تم طردهم بالقوة من بيوتهم حول مستوطنة معاليه أدوميم التي بدأ إنشاؤها في مطلع الثمانينات. وظل بدو الجهالين، الذين تم طردهم أصلا من منطقة النقب الإسرائيلية في منتصف الخمسينيات، منذ أن سكنوا (عام 1997) في موقع يبعد 500 متر من مكب نفايات البلدية الإسرائيلي، محرومين حتى من الخدمات الصحية الأساسية، حيث ابتلعت مستوطنة معاليه أدوميم مراعي مواشيهم. وتمتد المنطقة النظيفة شرقي العاصمة الآن من حدود البلدية على طول الطريق حتى غور الأردن.
لقد حققت المستوطنات البعيدة والواقعة وسط وشمال الضفة الغربية منافع من هذا التطوير للعاصمة تعتبر حيوية لنموها وتوسعها. حيث يستطيع المستوطن الموجود شمال رام الله وجنوب بيت لحم، الوصول إلى مراكز الخدمات الطبية، والتعليمية والاقتصادية ذات الجودة العالية في زمن قصير قياسي، من خلال أحدث الطرق السريعة الالتفافية التي ترعاها الحكومة. يذكر أن برامج الاستيعاب التي هدفت إلى اجتذاب المهاجرين إلى إسرائيل أو الإسرائيليين بشكل عام إلى بعض مستوطنات الضفة الغربية الأبعد، والتي كانت تقتصر سابقاً على مجموعة أيديولوجية صغيرة من الصهاينة المتطرفين، يمكن اعتبارها الآن بأنها توفر للمستوطنين المستقبليين "حل سكني بأسعار معقولة .... ولا يبعد سوى مسافة قصير من المدن الكبيرة".
مرة أخرى، انعكس الوضع على الفلسطينيين، الذين امتد منعهم من دخول القدس، بما في ذلك الأماكن المقدسة، ليغطي مساحة كبيرة من الضفة الغربية وجعل حركتهم، سواء تجاه أو حول المدينة، رهن تقدير القوات الإسرائيلية المتمركزة على نقاط التفتيش والحواجز الكثيرة التي عززت من شبكة الاستيطان في "العاصمة". وأصبح تنقل الفلسطينيين بين أجزاء الضفة الغربية الشمالية والجنوبية الآن إما غير مباشر ويستغرق وقتاً طويلاً أو مستحيلاً، بينما يستطيع المستوطن السفر بسرعة وحرية عبر المنطقة وحولها. ومن ضمن الآثار طويلة المدى لعزل القدس عن بقية الضفة الغربية وخنق قراها البعيدة أن انهارت القدس كمركز اقتصادي في فلسطين (ومنذ ذلك الحين لعبت رام الله هذا الدور).