لبنان، 1982
Map Details
شرعت منظمة التحرير الفلسطينية بعد إنشاء مركز قيادتها الجديد في لبنان، في بناء تحالفات مع قوات محلية وفي تسليح كوادرها. مرة أخرى برزت "كيانية دولة فلسطينية مصغرة" قيادة مرجعية وذات أنظمة ومؤسسات اجتماعية وخدماتية متعددة.
مع حلول عام 1975، أدت الهجمات الإسرائيلية المضادة التي شنتها على مجموعات المقاومة إلى تشريد آلاف المدنيين اللبنانيين. كما أسهم تفاقم التوتر بين الطوائف بسبب تداعي الشعور بالأمن بين قادة الموارنة المسيحيين، الذين رؤوا في تحالفات شبه الدولة التي تديرها منظمة التحرير الفلسطينية مع المسلمين المحليين. وفي نيسان 1975، اندلعت حرب أهلية مريرة ومعقدة، واستمرت لمدة 18 شهراً، وخلفت وراءها ما لا يقل عن 20.000 قتيل، غالبيتهم من المدنيين. ومع نهاية الحرب، أبرم رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين تحالفاً مع ألد أعداء منظمة التحرير الفلسطينية – الميليشيا المارونية، وهي ميليشيا كبيرة ذات جذور أيديولوجية ضاربة في التطرف، إضافة إلى أن إسرائيل قد أسست قوة موالية لها "وتنوب عنها" في جنوب لبنان، برئاسة سعد حداد. ومنذ أواخر 1976، كانت منظمة التحرير الفلسطينية وقوات حداد في صراع لم يحسم للسيطرة على القطاع الجنوبي. انتقاماً لهجوم شنته منظمة التحرير الفلسطينية على إسرائيل في آذار 1978، قامت إسرائيل باجتياح جنوب لبنان، وخلفت وراءها حوالي 2.000 قتيل و 250.000 مشرد. بعد ذلك، استمرت إسرائيل في شن عمليات هجومية استفزازية على الجنوب، صاحبتها عمليات قصف لبيروت، رغم الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة في تموز 1981.
في كانون الأول 1981، طرح وزير الدفاع الإسرائيلي أرئيل شارون على حكومة إسرائيل والولايات المتحدة "خطته الكبيرة" الرامية إلى "إبادتها (منظمة التحرير الفلسطينية) كلياً من لبنان." أعربت حكومة مناحيم بيغن عن بعض القلق لكنها قامت بالمصادقة على نسخة من الخطة. وأعرب المبعوث الأمريكي، فيليب حبيب، عن صدمته من الخطة وقال لشارون: "لا يمكنك أن تجتاح دولاً بهذه البساطة، وتنشر الدمار وتقتل المدنيين" لكن وزير الخارجية الأمريكي، الكساندر هيج، وافق مبدئياً على الخطة شريطة أن يتم تنفيذها رداً على "استفزاز معترف به دولياً."
رأت إسرائيل أخيراً في محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرجوف، على يد مجموعة أبو نضال المناهضة لمنظمة التحرير الفلسطينية في 3 حزيران، الذريعة التي كانت تريدها إليها لشن الحرب. في 6 حزيران 1982، قامت قوات إسرائيلية كبيرة باجتياح لبنان. وخلال أسبوع واحد من الاجتياح، كان شارون قد أخل بجميع التأكيدات والتعهدات التي قطعها للولايات المتحدة وحكومته: بدلاً من البقاء ضمن منطقة "عازلة" بطول 40 كم2 في الجنوب اللبناني (الهدف المعلن للعملية)، كان الجيش الإسرائيلي يضرب حصاراً على بيروت. وقد طرح شارون جانباً وقف إطلاق النار الذي دعت له الولايات المتحدة في 11 حزيران، وأمر قواته وحلفائه من الكتائب باجتياح الأحياء السكنية في العاصمة اللبنانية. وقد توقف تقدم هذه القوات في اللحظات الأخيرة بسبب التهديدات الأمريكية بالتدخل، وتم السماح لفيليب حبيب بالتفاوض على إخلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية خارج العاصمة. وبعد حصار استمر لمدة شهرين، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على "الجلاء دون استسلام" مقابل ضمانات أمريكية بتوفير قوة حماية متعددة الجنسيات للمدنيين الفلسطينيين في بيروت.
في 21 آب ، رافق الأسطول الأمريكي السادس أول دفعة من قوات منظمة التحرير الفلسطينية المتجهة بحراً إلى تونس عبر اليونان. وفي 30 آب، غادر ياسر عرفات بيروت بعد 11 سنة من العمل فيها. وبشكل عام، غادر حوالي 8.500 عنصر من كوادر منظمة التحرير الفلسطينية عبر البحر وحوالي 2.500 آخرين عبر البر (إلى سوريا، واليمن، والعراق). في أثناء ذلك، تمكن الإسرائيليون بمساعدة أمريكية من تنصيب حليفهم الكتائبي، بشير الجميل، كرئيس جمهورية للبنان في 23 آب. إلا أن اغتياله بعد ثلاثة أسابيع أحبط الإستراتيجية الإسرائيلية طويلة الأمد، الرامية إلى إقامة دولة مسيحية عازلة ومذعنه لها ويحكمها حليف عسكري. وأدى اغتيال بشير الجمل إلى وقوع أحداث مؤلمة وشنيعة في تلك الحرب.
قبل جلاء قواتها، كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد طالبت وحصلت على "تأكيدات من الولايات المتحدة تتعلق بسلامة وأمن ..... مخميات اللاجئين في بيروت." لكن وبعد انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية، انسحبت القوة متعددة الجنسيات التي كانت تقودها الولايات المتحدة قبل الموعد المتفق عليه، حيث تركت الفلسطينيين تحت رحمة إسرائيل والكتائب المسلحة المتحالفة معها. وفي عملية صادق عليها شارون شخصياً، قامت إسرائيل في 16 أيلول بإغلاق تام لمخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، حيث اتخذت دباباتها مواقع حول مداخل المخيم وأمرت قوات حداد وميليشيات الكتائب "بتطهير المنطقة" . حوالي 3.000 رجل وامرأة وطفل تعرضوا للتمثيل والاغتصاب والاغتيال في مذبحة استغرقت 42 ساعة تحت إشراف الجيش الإسرائيلي الذي كان يضيء ليل المخيمين بقنابله المضيئة التي أطلقها في سمائهما. على الرغم من أن إسرائيل حمّلت حلفائها مسئولية الجرائم التي ارتكبت في المخيم، إلا أن مسئولين أمريكيين أشاروا في ذلك الوقت إلى أنه بصرف النظر عن دور إسرائيل في عمليات القتل، إلا أنها "... كانت تسيطر تماماً على المنطقة، وبالتالي فإنها مسئولة عما جرى."
تكبدت إسرائيل في عملية غزو لبنان والتي أسمتها "سلام الجليل" 446 قتيل مقابل ما لا يقل عن 21.000 فلسطيني ولبناني سقطوا أثناء القتال (بالإضافة إلى عديدين سقطوا لاحقاً بسبب جراحهم أو ألغام لم تنفجر. كان ما نسبته 84% من القتلى مدنيين عرب، وتم تشريد حوالي 600.000 لبناني وفلسطيني. وفي أيار 1983، وقعت إسرائيل ولبنان اتفاقية وقف إطلاق النار وانتهت الحرب، إلا أن إسرائيل استمرت – مع الميليشيا التابعة لها – في احتلال جنوب لبنان حوالي 17 سنة أخرى.