مدينة القدس في المقترح الإسرائيلي للوضع النهائي في كامب ديفيد، تموز 2000
Map Details
قبل الدخول مباشرة بمفاوضات الوضع الدائم في كامب ديفيد في تموز (يوليو) 2000، عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود براك وكرر موقف حكومته بشأن القدس، قائلاً "لن يتم تقسيم القدس، سوف نحافظ على قداسة إسرائيل". وبإصراره في المفاوضات بما ينسجم مع رؤية بنيامين نتانياهو الأخيرة بشأن "القدس الكبرى"، رفع باراك سقف المزاعم الإسرائيلية إلى ما بعد القدس الشرقية التي تم ضمها من جانب واحد إلى عمق أراضي الضفة الغربية، بشمل المستوطنات البعيدة خارج رام الله، وأريحا وبيت لحم ضمن "قداسة إسرائيل". وشكل هذا التكتيك بشكل جزئي أداة لتقطيع أوصال الضفة الغربية بحجة المزاعم الإسرائيلية في "عاصمة أبدية غير قابلة للتقسيم". وبهذا الخصوص، عمل على تمويه محاولة إسرائيل البذيئة جداً للتوسع وسط تعقيدات مفاوضات القدس المنفصلة والمؤجلة. لكن الإصرار على بحث وضع "القدس" التي أعيد رسم حدودها وتوسيعها حديثاً مكن أيضاً إسرائيل من التعتيم على محاولتها لتشريع السيادة الكلية على المدينة بوضع المدن الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية ضمن الحدود المتصورة للمدينة ومن ثم التخلي عنها "بكرم" للفلسطينيين على الرغم من كونها جزء من المدينة المحتلة.
في الحقيقة، وضعت الخرائط المتعلقة باقتراح إسرائيل في كامب ديفيد عملياً كامل منطقة القدس الشرقية العربية قبل عام 1967، تحت الولاية الإسرائيلية الحصرية ودفعت الفلسطينيين لبحث السيادة على بعض القرى والبلدات الواقعة في محيط منطقة البلدية. ومع تصوير الاعتراض الفلسطيني على ضم بيت أيل أو ميتزبي يريخو على أنه اعتداء على "قداسة إسرائيل"، كان فريق باراك للمفاوضات قادر بسهولة على وصف المطالبات الفلسطينية الأساسية بشأن السيادة على البلدة القديمة والحرم القدسي الشريف، على أنها "حلم" عنيد ومستحيل التحقيق. يذكر أن الولايات المتحدة كانت قد أيدت المواقف الإسرائيلية الأولى حول المدينة، وأثناء مسار المفاوضات "أعادت رزمها" أكثر من مرة وطرحها على أنها مقدمة من جانبها، الأمر الذي دفع الفلسطينيين لاتهامها أكثر من مرة بعدم النزاهة.
بعد نجاحها في إعادة رسم حدود المدينة، ذهبت إسرائيل إلى إعادة رسم مسألة "السيادة". ومرة أخرى، حصلت على تأييد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عرض فريق باراك على الفلسطينيين أن يتم منحهم "سلطة إدارية" في أحياء القدس الشرقية على مقربة من البلدة القديمة ومحيطها. وهذا العرض تلاه "عرض" آخر بخصوص "ممر آمن محلي" إلى الحرم القدسي الشريف وتم الحديث عن تشغيل "نظام خاص" في البلدة القديمة. من ثم تم إخضاع الحرم القدسي الشريف لسلسلة من السيناريوهات الأمريكية – الإسرائيلية، بطرح فكرة "السيادة فوق الأرض"، و "السيادة المتبقية"، والإدارة الذاتية "البلدية"، و "الحراسة"... هذه التغيرات الأساسية في الموقف طرحت على أنها تعبير عن الكرم التاريخي الإسرائيلي، وجميعها تحرم الفلسطينيين من أي شكل مطلق وفعلي من السيادة على المواقع المقدسة، والبلدة القديمة، أو الأحياء المحيطة بها؛ وجميعها تشرع السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية المحتلة والموسعة.
يذكر أن الإدارة الأمريكية أثنت مراراً وتكراراً على "الشجاعة، والحكمة والفهم المحدد" بشأن الطروحات تلك، وعززت من موقف إسرائيل بأنها قدمت تنازل نهائي بشأن المدينة، وبذلك فإنها تكون قد أوفت بتوقعات "وسطاء أوسلو النزيهين". في الحقيقية، جاء "العرض" الإسرائيلي حول القدس مقابل ثمن؛ فقد طلب باراك أن تقابل "تنازلاته" بموافقة الفلسطينيين على حق إسرائيل في بناء كنيس يهودي داخل الحرم القدسي الشريف – أولى القبلتين وثالث الحرمين بالنسبة للمسلمين. وعلى الرغم من كون الفكرة غير معقولة، فقد تم عرضها في مرحلة كانت فيها المباحثات قد انهارت فعلياً وتم وقفها بكل جدية. وعلى الفور، قامت الولايات المتحدة بتبني المطلب الإسرائيلي وممارسة ضغوط على المفاوضين الفلسطينيين للقبول به، مؤكدة لهم أنهم يستطيعون دائماً "تحديد عدد المصلين اليهود....".
يشار إلى أن الرفض الفلسطيني لهذا العرض – والذي لم يصل بتاتاً إلى حد الصيغة الشاملة والمفصلة – لم يكن فقط ناتجاً عن الإصرار الإسرائيلي على السيادة على البلدة القديمة والحرم القدسي الشريف. فقد حول العرض بشأن القدس برنامج الاستيطان غير القانوني الضخم في شرق، وشمال وجنوب المدينة المحتلة إلى عائق سيادة إسرائيلية معترف به، وشطر الضفة الغربية عن قلبها التاريخي (راجع الخريطة 35). وضمن هذه المنطقة، سوف تصبح القرى الفلسطينية، مثل جبع والزعيّم، مغلّفة إلى الأبد بالمستوطنات الإسرائيلية، بينما تلك التي سيتم منحها التكامل مع الدولة الفلسطينية فسوف يتم تجريدها من معظم أرضها ومن حرية الوصول إلى المدينة نفسها. وقد مهدت القطاعات "الإدارية" و "النظامية" العديدة المقترحة مقابل منح سيادة فلسطينية في المدينة الطريق أمام إسرائيل لفرض المزيد من إجراءات التقسيم الاجتماعي، والقانوني والثقافي على الشعب الفلسطيني.
وبشكل عام، منح اقتراح القدس المقدم في كامب ديفيد الفلسطينيين، مجموعة غير قابلة للحياة من الجيوب السكانية المعزولة، بينما حرمهم من السيادة الجوهرية في المدينة ذاتها وخلق كتلة سيادة إسرائيلية تمتد من أريحا إلى رام الله وبيت لحم، بحيث تكون القدس الشرقية العربية المحتلة في قلب تلك الكتلة. وارتكزت المقدرة الإسرائيلية على تقديم مثل ذلك العرض، وتسميته تنازل، وحتى امتداحها على فعل ذلك، بشكل كلي على 33 سنة من نشاطها الاستيطاني غير القانوني الذي تم شجبه داخل المدينة وحولها. إن الترحيب الدافئ بالعرض الإسرائيلي من جانب الولايات المتحدة ومعظم المجتمع الدولي قد كافئ النشاطات الإسرائيلية التي تلقى إجماع كافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وعزز من القناعة الإسرائيلية أنها بخلق حقائق على الأرض فإنها لن تنجح فقط في كبح الطموحات الفلسطينية وإنكار الحقوق الفلسطينية، بل أيضا ستلقى المديح على ذلك.