بداية الانتداب البريطاني، 1920
Map Details
في نيسان 1920، توصل المجلس الأعلى لعصبة الأمم إلى قرار في مؤتمر سان ريمو، منح بريطانيا بموجبه سيطرة على مساحة متواصلة من الأرض تمتد من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، مع سيطرة إدارية على فلسطين، والأردن، والعراق. أما فلسطين المنتدبة، فقد نص القرار على أن تخضع لإدارة مدنية، تحل محل الإدارة العسكرية القائمة منذ سنة 1917، برئاسة مندوب سام مقره في القدس. وعلى الرغم من أن شروط الانتداب لم تحدد رسمياً طوال ثلاث سنوات، تم إنهاء الإدارة العسكرية في عام 1920، واستمر الانتداب البريطاني لفلسطين من تموز 1920 ولغاية أيار 1948.
جاءت بداية الانتداب في وقت تمت فيه المصادقة البريطانية علنياً على البرنامج الصهيوني القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وتشير الأرقام التي جمعتها الإدارة العسكرية البريطانية في عام 1918 إلى أن تعداد السكان اليهود في فلسطين بلغ 58,728 يهودي – أي أقل بحوالي 10% من المجموع الكلي. ولم تشهد الهجرة الصهيونية بعد إنشاء الإدارة العسكرية ازدياداً ملحوظاً. لكن الجهود الدبلوماسية الصهيونية أخذت تأتي أكلها مع البدء في تطبيق الانتداب، حيث كان أول مندوب سامي، السير هربرت صموئيل، يهودياً وداعماً كبيراً للبرنامج الصهيوني. وكان أول الأعمال التي قام بها صموئيل قد تمثل في المصادقة على 16,500 شهادة هجرة يهودية. وفي التقارير التي رفعوها إلى رئيس منظمة الصهيونية العالمية، حاييم وايزمن، أشار قادة الصهيونية المحليون إلى أن الانتداب يلاقي ترحاباً كبيراً بين السكان. في عام 1920، ارتفعت الهجرة اليهودية بنسبة غير مسبوقة بلغت 450%، مما دفع العديد من الصهاينة إلى الاعتقاد بأن الإنتداب البريطاني كان بكل بساطة أداة لتحقيق وعد بلفور. رغم هذه الخطوات الهامة التي اتخذت لتمكين الحركة الصهيونية، لم يلق برنامجها اهتماماً سوى بين عدد بسيط من يهود أوروبا. وحتى عندما وصلت الهجرة الصهيوينة إلى ذروتها، فإن غالبية اليهود المهاجرين توجهوا إلى الولايات المتحدة. وخلال موجات الهجرة تلك، توجه إلى فلسطين 4 فقط من بين كل 1,000 يهودي في العالم، مما جعل توسيع البرنامج السياسي الصهيوني في الخارج لزاماً على منظمة الصهيونية العالمية.
منذ عام 1914، تبنت منظمة الصهيونية العالمية شعار "مستوطنات يهودية بالكامل" في جهودها الاستعمارية، وسعت للاستغناء عن أي اعتماد على العمل أو الخبرة غير اليهودية. وقد أصبحت فكرة "عمال يهود على أرض يهودية" شعاراً لتلك الفترة، وتم التعبير عن ذلك في لندن عند تبني المؤتمر الصهيوني المؤقت في تموز 1920 قرار يقضي نفوذ وأموال المؤتمر "كوسيلة لجعل أرض فلسطين ملكاً للشعب اليهودي ... وحماية القوى العاملة اليهودية ".
في هذا الجو الذي تسوده حصرية يهودية وهجرة متزايدة، تم تأسيس الهستدروت (كانون الأول 1920). وانطلاقاً من التزامها بسياسة العمل التي تبناتها منظمة الصهيونية العالمية، شرعت الهستدروت في توحيد وتوسيع القوات الاستعمارية والإنتاجية الصهيونية، في نفس الوقت الذي تقوم فيه ببناء نظام إداري "يهودي بحت" في فلسطين . كما قررت في أولى جلساتها "الموافقة على تولي مسئولية تشكيل منظمة دفعاية مستقلة وسرية في كافة أرجاء البلاد.
وفي وجه حركة صهيونية واثقة وسريعة النمو في فلسطين، شكلت القيادة الفلسطينية وفود عديدة وتقدمت بعرائض متكررة للإدارة البريطانية في فلسطين وفي لندن، مطالبة بريطانيا بالوفاء بالتزاماتها، والحد من الهجرة، ودراسة مستقبل فلسطين وفقاً لديموغرافية وتاريخ فلسطين. لكن هذه الجهود غالباً ما كنت تذهب سدى. أما القادة الذين رفعوا أصواتهم في مواجهة السياسة البريطانية الموالية للصهيونية، فغالباً ما كانوا ينحون عن مناصبهم. كما منع البريطانيون المجلس الوطني الفلسطيني (المجس المشكل حديثاً للحركة الوطنية) من عقد مؤتمره الثاني، متخوفين من إمكانية إيقاظ صحوة الشارع.
أما السيطرة الصهيونية على الأراضي، والتي استرشدت جغرافياً بوفرة الاقطاعيين العثمانيين المرتشين، فقد صبت جل تركيزها على الأراضي الزراعية في مناطق الشمالية والساحلية من فلسطين. وقد نجم عن ذلك حرمان مستأجري الأرض من الفلاحين الفلسطينيين من مصادر رزقهم، ليفسحوا المجال أمام توسع سلسلة المستوطنات، في الوقت الذي كانت فيه منظمة الصهيونية العالمية ووكالاتها المحتلفة تسعى لخق أكبر تواصل جغرافي ممكن من الأراضي المملوكة لليهود. ومع حلول عام 1921، ارتفعت وتيرة معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين جنباً إلى جنب مع معدلات التوتر مع سيطرة حوالي 71 مستعمرة يهودية على أكثر من 600,000 دونم من الأراضي في فلسطين.