مذكرة واي ريفر، 23 تشرين الأول 1998
Map Details
بعد إعادة الإنتشار الجزئية الإسرائيلية في مدينة الخليل، أصبحت السلطة الفلسطينية تسيطر على 413 كم2 من الأراضي الفلسطينية المحتلة – 2% من مساحة الضفة الغربية وحوالي 60% من قطاع غزة. أما المنطقة "ب"، التي كانت السلطة الفلسطينية تتولى فيها مسئولية مدنية تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، فتبلغ مساحتها 1.340 كم2 في الضفة الغربية (26%). وقد بقيت النسبة المتبقية من الضفة الغربية (72%) وقطاع غزة (حوالي 40%) تخضع للاحتلال الإسرائيلي التام. وبذلك، وجدت السلطة الفلسطينية نفسها مسئولة عن قرابة 90% من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما هي في واقع الأمر مجردة من أية سلطة فعلية على هذه الأراضي. وقد بقيت عمليات إعادة الانتشار الثلاثة الأخرى، التي نصت عليها أتفاقية أوسلو 2 للعام 1995، غير محددة بأي جدول زمني.
وضع بروتوكول الخليل مزيداً من العمليات التفاوضية خارج إطار اتفاقية أوسلو السابقة له، الأمر الذي أتاح لإسرائيل إمكانية إعادة تحديد التزاماتها واتخاذ قرار أحادي فيما يتعلق بالتزاماتها الإضافية. استفاد بنيامين نتنياهو من هذا الوضع للمناورة، باستبدال عمليات إعادة الانتشار المرحلية باتفاقية وضع نهائي واحدة تحددها إسرائيل وفقاً لأهدافها "الأمنية" والاستيطانية، مع رفض قيام دولة فلسطينية.
لم يترك الموقف الإسرائيلي المعلن أي مجال لتقدم ثنائي، ولم يكن من المبعوث الأمريكي دينيس روس سوى أن يأمل أن تكون "عملية السلام على قيد الحياة؛ لأنه لا يوجد بديل ...." لكن تأخير إسرائيل الإفراج عن الأسرى ورفضها فتح "الممر الآمن" أو السماح بافتتاح مطار وميناء غزة، جعل الشكوك تلقي بظلالها على هذا الأمل. خلال عام 1997 ومعظم عام 1998، حل النشاط الاستيطاني المستمر والاشتباكات المتقطعة محل عملية السلام المجمدة. وشكلت سلسلة من عمليات هدم وإخلاء المنازل ومصادرة الأراضي في القدس أمثلة واضحة على سباق إسرائيل مع الزمن للحيلولة دون أي وضع مستقبلي من خلال فرض الوقائع على الأرض.
في أثناء ذلك، وجدت السلطة الفلسطينية نفسها - في ظل المكاسب الضئيلة التي حققتها – مضطرة لاستثمار حصة الأسد من أموالها وجهودها في المؤسسات السياسية، وليس الاقتصادية أو الاجتماعية. تدريجياً، وجد النظام السلطوي الناتج عن ذلك الوضع- والملتزم بحكم الاتفاقيات الموقعة بمعاقبة والحيلولة دون أية معارضة لعملية أوسلو المتداعية- نفسه غير قادر على المنافسة مع خدمات الرفاه الأكثر جودة وانتشاراً التي تقدمها الجهات المعارضة. ودون أي مكاسب حقيقية على الأرض، سوف تجد السلطة الفلسطينية نفسها سريعاً غير قادرة على مواجهة جمهور الناخبين.
بعد 18 شهراً، نجحت الضمانات الأمريكية في توجيه ودفع الإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات. وقد مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً على كلا الطرفين، حيث اضطرت السلطة الفلسطينية – التي واجهت نتنياهو في واي ريفر في تشرين الأول 1998 – إلى التفاوض من جديد حول عمليات إعادة انتشار أخرى. وكان تفاوضها هذه المرة مستنداً إلى موقف أكثر ضعفاً. بالنسبة لإسرائيل، كانت مذكرة واي ريفر، التي تم إبرامها في 23 تشرين الأول 1998، بمثابة انقلاب. وقد وصفها وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه بأنها "أفضل اتفاقية ممكنة". وبموجب هذه الاتفاقية، وافقت إسرائيل على: الانسحاب من 13% أخرى من الضفة الغربية، وتحويل 12% من المنطقة "ج" إلى المنطقة "ب"، وتحويل 1% فقط (58 كم2) من المنطقة "ج" إلى المنطقة "أ". علاوة على ذلك، كان يتعين على إسرائيل أن تحول 14.2% من المنطقة "ب" إلى المنطقة "أ". أما الانسحاب الثالث، فقد تم تركه ليبحث من قبل "لجنة"؛ لكن الولايات المتحدة أكدت لإسرائيل أنه "بمقدورها أن تقرر بشأن حلول مرضية" يمكن لها "أن تنفذها أكثر وليس التفاوض حولها." وقد أعلن نتنياهو أن الانسحاب الثالث لن يتجاوز 1%. وقد كان مقرراً أن تمتد سيطرة السلطة الفلسطينية خلال أول عمليتي نقل صلاحيات / إعادة انتشار – تتم على ثلاث مراحل – إلى 17.2% من الضفة الغربية جنباً إلى جنب مع إدارة مدنية في 23.8% (المنطقة "ب")، بينما تحتفظ إسرائيل بسيطرة تامة على 59%.
مقابل عملية إعادة الانتشار التي تأخرت طويلاً وتمت على عدة مراحل، اضطرت السلطة الفلسطينية للموافقة على "خطة أمنية". وتم إحضار وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى المنطقة لمراقبة التزام السلطة الفلسطينية بتنفيذ هذه الخطة، التي تضمنت بنود تتعلق باعتقال مشتبه بهم وفقاً لقوائم إسرائيلية "وإعلان فصائل منظمات خارجة على القانون" (يحتمل أن يشمل ذلك كافة المؤسسات الاجتماعية والخاصة غير التابعة للسلطة الفلسطينية). وقد جعلت إسرائيل عمليات إعادة الانتشار رهينةً لمدى رضاها عن أداء السلطة الفلسطينية، وأعلن بنيامين نتنياهو أمام مؤيديه عن أن ذلك سيعفيه من تنفيذ الشق الخاص بالتزامات إسرائيل في الاتفاقية. تجدر الإشارة إلى أن منظمات حقوق الإنسان رأت في الاتفاقية "أسساً لدولة تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية".
تم توقيع مذكرة واي ريفر دون أن تكون هناك أية خرائط، الأمر الذي ترك لإسرائيل كامل الحرية في فرض استراتيجيتها الإقليمية على عمليات إعادة الانتشار. وقد خاطب وزير الخارجية شارون المستوطنين بعد اتفاقية واي قائلاً: "استولوا على المزيد من التلال، لقد حان الوقت ليكون ما نستولي عليه ملكاً لنا". وفي غضون ثلاثة أشهر من هذا الخطاب، كان المستوطنون قد أقاموا 17 موقعاً استيطاني، وبدأ العمل على شق 15 طريق التفافي . وفي 20 تشرين الثاني 1998، حولت إسرائيل 2% من مساحة الضفة الغربية من المنطقة "ب" إلى المنطقة "أ"، وكانت غالبيتها في منطقة جنين. بعد 4 أيام من ذلك، تم السماح بافتتاح مطار غزة الدولي. بعد ذلك، وفي محاولة نهائية لاستعادة دعم اليمين المتطرف، علق بنيامين نتنياهو العملية برمتها؛ وذلك على الرغم من التأكيدات الأمريكية بالتزام السلطة الفلسطينية، ومن ثم وضع خمسة شروط جديدة على السلطة الفلسطينية. وقد أدى ذلك إلى الحيلولة دون تنفيذ عمليات إعادة الانتشار الأخرى، بعد تنفيذ مرحلة واحدة فقط من ثلاث عمليات إعادة انتشار وفقاً لبرنامج واي ريفر، علماً بأن اتفاقية واي بحد ذاتها تعالج اثنتين من ثلاث عمليات إعادة انتشار كانت مقررة بموجب إطار اتفاقية أوسلو 2. أما تنكر الليكود لعملية السلام، فقد قابله وضع اقتصادي متردي وائتلاف حكومي تغلب عليه المساومة الخرقاء. وفي ظل هذا الوضع، صوت الكنيست الإسرائيلي على حل نفسه في 23 كانون الأول 1998، حيث انتهت فترة حكم نتنياهو وتعطلت معها عمليات إعادة الانتشار التي نصت عليها اتفاقية واي ريفر. أما السلطة الفلسطينية، فقد حققت سيطرة اقتصرت على 9.1% من مساحة الضفة الغربية، و 20.9% في المنطقة "ب" واستمرت السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المساحة المتبقية (70%) من الضفة الغربية.